"صفحات التاريخ لا تكتب بالأهواء ولا بالقوة" مقولة نرددها على ألسنتنا، حينما ننظر إلى ما كتب فى تاريخنا العربى والإسلامى بنظرة مثالية، لكن الحقيقة أن الكثير ممن دونوا التاريخ، خضعوا لـ آرائهم، فسخفوا وحقروا من اختلف معهم فى الرأى، ورفعوا البعض منازل ربما لم يستحقونها، فإذا قرأت كتابات السلفيين عن بعض علماء الإسلام مثل الرازى أو ابن سيناء، لن تجد سوى تكفير ودخول فى معتقدات رجال رحلوا منذ قرون، وإذ نظرت إلى الكتابات العلمية عن هؤلاء تجد شخصيات لابد أن نعتز ونفخر بوجودهم فى التاريخ الإسلامي، لذا يمكن القول إن المفكر والروائى الدكتور يوسف زيدان، بما يكتبه يغرد بعيدا عن السرب، محاولا اكتشاف رموز التراث الإسلامي، راسما صورا أخرى أكثر إنسانية عن هؤلاء، بعيدا عن كتابة الأهواء.
وينتظر الروائى المصرى الكبير، والحاصل على الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" عن روايته الأشهر والمثيرة للجدل إلى اليوم "عزازيل" عام 2010، أحدث أعماله الروائية تحت عنوان "حاكم: جنون ابن الهيثم" والتى تدور حول شخصية العالم الحسن ابن الهيثم، مؤسس علم البصريات.
ويعد يوسف زيدان، واحد من أكثر الشخصيات إثارة للجدل بكتاباته وآرائه، فالجميع لم يتفقوا عليه بل اتفقوا جميعا على الهجوم عليه رغم اختلافهم هم أنفسهم فكريا وعقائديا، فالكنيسة هاجمته بعد "عزازيل"، والسلفيون والإسلاميون هاجموه بعد آرائه فى صلاح الدين، لكنه ليس منشغلا بإرضاء أطراف بعينها، بل يحاول عبر كتبه كشف أسرار وسبر أغوار حقائق، وإزالة التراب من على تاريخ نساه الجميع.
ويبدو من خلال الرواية المنتظر صدورها خلال أيام، أن زيدان يسير فى تنفيذ وعده الذى أعلنه فى وقت سابق عن نيته الكتابة عن مجموعة من العلماء أصحاب الفكر المستنير، وأنه بدأ بالفعل فى إحصاء العلماء، الذين يحب الكتابة عنهم، ومنهم: "أبو الريحان البيرونى، ابن الهيثم، ابن النفيس".
ووعد زيدان بالكتابة عن مجموعة من العلماء من أصحاب الفكر المستنير، ليس جديدا فالمتابع لتاريخ صاحب "النبطى" يجده حافلا بالعديد من الأعمال عن فلاسفة الفكر الصوفى ورموز العلم فى التاريخ الإسلامى، وذلك من خلال تحقيقه أعمال مثل موسوعة "ابن النفيس" التى أسماها "الشامل فى الصناعة الطبية"، فضلا عن قيامه بتحقيق "ماهية الأثر الذى يبدو على وجه القمر، وإخراجه النصوص التى تتناول قصة حى بن يقظان وتجلياتها المختلفة عند ابن سينا وابن طفيل والسهروردى.
إعادة اكتشاف ابن النفيس
كتاب أصدره يوسف زيدان عام 2008، عن دار نهضة مصر، ويُعيد هذا الكتاب اكتشاف العلامة علاء الدين القرشى الذى عرف فى ثقافتنا المعاصرة بابن النفيس واختُزلت جهوده العلمية فى انه مكتشف الدورة الدموية! غير أن الكتاب لا يقتصر على بحث هذه المعلومات المشهورة والمتداولة، وإنما يعيد النظر (وبالتالى الاكتشاف) فى عده قضايا تتعلق بشخصية العلامة علاء الدين وجهوده العلمية، منها الشكوك القوية حول اللقب الذى عُرف به (ابن النفيس)، كما أنه ينفى عنه تلمذته على يد الطبيب مهذب الدين الدّخوار، وعلى خلاف المشهور والمتداول، من أن العلامة علاء الدين عاش حياته عزباً، يثبت الكتاب أنه تزوج وأنجب عدة أولاد، منهم ولد يسمى (محمد).
عبد الكريم الجيلي: فيلسوف الصوفية
كتاب يكشفت لنا الجوانب الخفية فى شخصية هذا القطب الصوفى الكبير، الذى لم يأخذ حظه أبداً من الباحثين فى مجال التصوف الإسلامي، بل حملت سيرته تطاول من البعض فى تكفير الرجل، لكن زيدان فى كتابه هذا يعرفنا على شاعراً صوفيًّاً لا يقل مكانة عن شاعر الصوفية الأشهر "ابن الفارض" ومفكراً يجمع بين الفلسفة والتصوف على نحو لم يتيسر إلا للقلائل من أمثال الشيخ الأكبر "محى الدين بن عربي" وشيخ الإشراق "شهاب الدين السهر وردي"، ويقدم خلاصة لرحلة فيلسوف الصوفية عبد الكريم الجيلي.
تجليات الحلاج: مأساة صلاح عبد الصبور
دراسة صغيرة الحجم ربما لكنها هامة وكبيرة فى تقدمه من رؤية عن الصوفى المظلوم "الحلاج" حاول من خلالها زيدان الحديث عما عناه الحلاج فى زمانه، كشفا وجها جديدا عن مصرعه ومحاكمته الشهيرة، وقتله بشكل أكثر بشاعة، والذى لم يكن سوى بسبب مواقفه من حكماء زمانه واتصاله بالمعارضين ومحاولته تنوير الشعب، ثم تحدث عن مسرحية "مأساة الحلاج" لصلاح عبد الصبور، محللّاً إياها بأنها مأساة صلاح عبد الصبور نفسه ورغبته فى التعبير عن واقعه الاجتماعى فى تلك الفترة مختفيا تحت رمزية الحلاج.
شرح مشكلات الفتوحات المكية لابن عربى
دراسة وتحقيق د. يوسف زيدان، وهو من أبرز المؤلفات التى تولت وحملت على عاتقها شرح مشكلات الكتاب الهام: الفتوحات المكية، لابن عربى لما فيه من رمزية شديدة وتأويلات صعبة وأفكار ربما تكون عصية على الكثير، فحمل المؤلف على عاتقه تفسيرها وإزالة الإشكال عنها، ومحاولة تبسيطها حتى لا تستعصى على فهم القراء، فصار هذا الكتاب كالتفسير للفتوحات المكية، وتفصيل لمجمله، وفض لمشكله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة