يبدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن، ولايته الرئاسية لأمريكا، بأقل صداع رأس ممكن، من منطقة الشرق الأوسط التي شغلت السياسة الخارجية الأمريكية على مدار عقود، فالأوضاع في المنطقة ليست هادئة تماما، لكنها ليست كذلك مشتعلة بالشكل الذي ميز حقبة سلفه دونالد ترامب.
وما قد يلعب لصالح إدارة بايدن أن شعوب الشرق الأوسط تريد وحدة إقليمية واستثمارا في المستقبل بما يجلب الأمن والازدهار، وأنها ملت من الحروب وتريد فرصا للعمل والتعليم والرعاية الصحيةـ وفق ما يكتبه جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي-الأمريكي في مقال على "ذا ناشيون"، مستدلا على استطلاع رأي قام به المعهد.
ويضيف أن على إدارة بايدن ألا تعمل بمفردها، بل في إطار مجموعة خمسة+واحد (الدول الخمس دائمة العضوية مع ألمانيا) حتى تستطيع وضع ثقل دبلوماسي وراء اللاعبين الإقليميين، فالأمر قد يكون له تأثير كبير على الوضع.
كما خففت الأطراف المتحاربة في الشرق الأوسط من من حدة نشاطها، في توقع لدور أمريكي أكثر نشاطا في المنطقة حسب "سيث فرانتزمان" الذي يعمل في قسم تغطية شؤون الشرق الأوسط بصحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، مضيفا أنه إن كانت الأعمال العدائية لن تنتهي طبعا، فإن مجيء بايدن قد "ينهي الانطباع بأنه من الممكن للدول استخدام أي وسيلة للحصول على ما تريده".
وتوجد مؤشرات أخرى على دور أمريكي أكبر في الوساطة وتخفيف التوتر داخل الشرق الأوسط، ومن ذلك تعيين بايدن لمسؤولين يتمتعون بخبرة كبيرة في هذه المنطقة، لشغل مناصب وزارية رئيسية، كأنتوني بلينكين، المرشح لمنصب وزير الخارجية، فضلا عن أن بايدن يملك بدوره خبرات ديبلوماسية في المنطقة حسب الكاتب ذاته.
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء لسيث جي فرانتومان، المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل، يقول هذا الأخير إنه مع اقتراب تولي إدارة بايدن زمام الأمور، تقوم العديد من الأطراف المتحاربة بالتخفيف من حدة نشاطها، في توقع لدور أمريكي أكثر نشاطا في المنطقة.
ويصف المحلّل السياسي ما يجري في الشرق الأوسط حاليا بـ"حالة من الوفاق"، مشيراً إلى نهاية الأزمة الخليجية بعد عودة العلاقات بين قطر من جهة وبين دول المقاطعة من جهة ثانية، وكذلك إلى سعي تركيا لتحسين علاقاتها مع دول جمعها بها خصام شديد كاليونان وفرنسا من جهة، والدول التي تعلن الحرب على الإخوان كالسعودية والإمارات ومصر.
وحتى فيما يتعلّق بالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، تلعب عدة قوى إقليمية كمصر والأردن وعالمية كفرنسا وألمانيا أدوارا من أجل عودة المحادثات المتوقفة بين الجانبين، كما يحيل الخبير على الانقسام الفلسطيني الذي قد ينتهي بعد إعلان السلطة الفلسطينية تنظيم انتخابات عامة، وترحيب حماس بهذه الخطوة وتأكيدها على أنها ستشارك فيها.
ويتوقع الكاتب في تحليله التي نقلته شبكة أخبار دويتش فيله، تحت عنوان "بايدن قام مسبقا بتهدئة الشرق الأوسط" أن تنضم دول عربية جديدة إلى التطبيع مع إسرائيل، بعد إعلان الإمارات والبحرين والسودان والمغرب إنشاء علاقات أو استئنافها مع الدولة العبرية، ويرجح أن تكون قطر وسلطنة عمان أبرز هذه الدول، غير أن هذه المؤشرات لم تتحقق لوحدها، بل كانت لإدارة ترامب دور أساسي فيها، وهو ما لم يشر له الكاتب، إذ لعب جاريد كوشنر، مستشار ترامب وصهره دورا رئيسيا في إنهاء الأزمة الخليجية وفي تطبيع العلاقات بين دول عربية وإسرائيل، وإن كان الهدف الرئيسي لترامب من تحقيق هذا التقدم هو المزيد من عزل إيران، خصمه الرئيسي في المنطقة، وفق ما جاء في عدة تقارير أمريكية.
كما تأتي هذه التطورات في مقابل "الاتجاه الانعزالي" الذي تبناه الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، وفق تعبير صاحب التحليل، الذي يرى أن رفع ترامب لشعار "أمريكا أولا" أدى إلى زعزعة استقرار العلاقات التقليدية للولايات المتحدة مع أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والحلفاء في آسيا، والمواقف متعددة الأطراف بالنسبة للصراعات المختلفة في الشرق الأوسط.
ويستدل الكاتب على كلمة لترامب خلال لقاء مع الجنود الأمريكيين عندما قال "ليس من واجب القوات الأمريكية أن تحل النزاعات القديمة في أراض بعيدة لم يسمع عنها الكثيرون من قبل" كي يخلص إلى أن حقبة ترامب كانت "انسلاخا جذريا عن أسلوب "النظام العالمي الجديد" الذي تبناه الرئيس جورج بوش الأب، وهو الأسلوب الذي جعل واشنطن تلعبا دورا رئيسيا في نزاعات الشرق الأوسط.
وفي مقال آخر على موقع "ذا كونفيرسيشن" للمحلل الأسترالي توني ووكر، الباحث بجامعة لا تروب في ميلبورن، أن إدارة بايدن ستأخذ "رؤية أقل تسامحا" تجاه روسيا وتركيا بسبب سياساتهما في المنطقة. بيد أن الطرف الذي استحوذ على تحليل ووكر هو إيران، إذ عاد المحلل إلى تصريح بايدن عندما أكد على "عودة واشنطن للاتفاق النووي كأساس لمفاوضات أخرى إذا ما التزمت طهران ببنوده"، وهو ما سيجعل واشنطن تتراجع عن العقوبات التي سنتها إدارة ترامب على إيران.
ويكمل ووكر، أن عودة واشنطن للاتفاق لن تكون دون تقديم طهران لتنازلات، ومن ذلك الضغط عليها حتى تسحب دعمها لوكلائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن والأراضي الفلسطينية خاصة في ما يتعلق بتصدير الأسلحة لهم، ومن المتوقع أن تُدخل إدارة بايدن لاعبين إقليمييين إلى الاتفاق كالسعودية والإمارات حتى تتم معالجة مخاوف الانتشار النووي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة