إعلان قرار التصفية لمصنع الحديد والصلب، بدا صادمًا لكثيرين، ارتبط المصنع معهم بالصناعة الوطنية، وفى وقت تسعى الدولة لإحياء وتطوير الصناعات التى تراجعت خلال العقود السابقة، مثل الغزل والنسيج والكتان والسماد وغيرها. ربما لا يكفى الحنين فقط مبررًا للحفاظ على كيان خاسر، لكن أيضًا يفترض التعرف على أسباب الخسارة وهل هى متعمدة أم أنها تراكمات لسوء الإدارة؟ خاصة أن الدولة اليوم تسير باتجاه بناء الصناعة، ومدن صناعية، وتتوسع فى دعم الصناعات الكبرة كالغزل والنسيج والألمونيوم والجلود. ويوميًا هناك مشروع جديد ونظن أن الدولة التى تفكر بهذه الطريقة يصعب أن تتساهل فى وجود أمل.
أفضل الاقتراحات التى طرحت فى مجلس النواب فى قضية مصنع الحديد والصلب هو تشكيل لجنة تقصى حقائق تتابع أحوال المصنع وتفاصيل عمله وأصوله وعماله حتى يمكن حسم الخلاف حول أحوال المصنع وقرار التصفية.
الحديث عن التصفية يعيد التذكير بما تم فى برنامج الخصخصة فى التسعينيات، ويثير الكثير من علامات الاستفهام، حيث تم بيع الشركات الكبرى، وتصفية العمال، ثم تحولت الأراضى إلى مشروعات عقارية عادت بالمليارات على المشترين الذين اشتروها بتراب الفلوس، لكن المشهد الآن لا يُشير إلى تكرار الوقائع السابقة، وإنما إلى رؤية تبدو متماسكة بشأن الواقع والمستقبل.
قرار التصفية أثار كثيرًا من الجدل وعلامات الاستفهام على صفحات الجرائد وبعض الفضائيات ومواقع التواصل، لكنها كانت فى أغلبها مناقشات منحازة تنطلق من رؤية مسبقة لا تتوقف عند المعلومات، وكان على الوزارة أن تكون أكثر استعدادًا لمصارحة الرأى العام وكشف التفاصيل وأرقام الخسائر والديون المتراكمة للشركة. تلك الخطوة كانت يُمكن أن تحل المشكلة وتكشف حجم معاناة الشركة، أكثر من مجرد عناوين تؤكد أنه لا أمل فى الإصلاح، من دون وضع الناس أمام حقيقة المأزق وثقل الميراث.
هناك رأى طرحه وزير الصناعة الأسبق منير فخرى عبدالنور، أعلن فيه أنه جرت محاولات لإحياء المصنع وتطويره، لكنها فشلت، بما يعنى أن الحل فى التصفية. وقال بعض المتابعين إن صناعة الحديد والصلب تواجه منافسة عالمية كبرى، وإن تكاليف إنتاج الطن فى المصنع أضعاف تكلفته فى المصانع الأخرى، وهذا معناه خسارة محققة أدت لتراكم الديون حتى تجاوزت 15 مليار جنيه.
بعض الخبراء قالوا إن سبب الخسارة أن تكلفة الطاقة للمصنع أضعاف تكلفتها لباقى المصانع، وأن تكلفة الطاقة بشكل عام أكبر من تكلفتها فى الخارج مما يجعل الإغراق واردًا فى هذا المجال.
القضية تبدو مهمة ومعقدة وتحتاج بالفعل إلى لجنة برلمانية لتقصى الحقائق، يمكنها الاستماع للخبراء والمختصين لتصدر تقريرًا بالتفاصيل والحقائق. يضاف إلى ذلك أن سمعة وتاريخ الخصخصة فى بداية إعلانها تثير المخاوف، فقد بدأت على أنها بيع المصانع لمستثمرين يطورونها ويعيدون تشغيلها، لكن ما حدث أنهم فككوا الشركات وحولوا أراضيها لمشروعات عقارية حققوا من ورائها مليارات، ولم تكسب الدولة شيئًا، بينما فقدت مصانع. الآن لا يمكن أن تغفل الدولة عن ذلك أو تسمح بتكرار التلاعب، لكن هذا الموقف لا يتأكد إلا من خلال الحقائق والأرقام.
حسبما أعلن مصطفى سالم، وكيل لجنة الخطة والموازنة، فقد شهد عقد التسعينيات بيع شركة كانت تملك 9 مصانع، منها مصنع البصل فى سوهاج على مساحة 80 ألف متر مربع على النيل، وقتها دفع المشترون 50 جنيهًا للمتر، وكان البيع بغرض الاستثمار الصناعى، لكنه تحول إلى استثمار عقارى وتجارة أراضٍ حتى وصل متوسط سعر المتر إلى 50 ألف جنيه، أى ألف ضعف سعر الشراء، بمكاسب تجاوزت 5 مليارات جنيه.
وأثناء المناقشة فى مجلس النواب، قال نواب، إن الدولة أقامت مئات المشروعات القومية وأنقذت صناعات مهمة مثل الغزل والنسيج، وتساءلوا لماذا لا نتصرف بنفس الطريقة بدلًا من الاكتفاء بالشكوى أو إعلان الفشل. تلك الأسئلة تبدو منطقية أيضًا، ولا رد عليها إلا بالحقائق والأرقام.
هكذا يبقى تشكيل لجنة تقصى لشركة الحديد والصلب حلًا يمكنه أن يسفر عن تقديم اقتراحات عملية، الأهم أن نحفظ حقوق العمال والدولة، ونوقف نزيف الخسائر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة