بات الهاتف الجوال يؤدى دور حيوى فى حياة الإنسان وترتكب من خلاله جرائم، ويتم الإعداد بواسطته لجرائم أخرى، ومع ظهور شبكة التواصل الاجتماعى، ولزوم ربط حسابات الفيس بوك، وما يتبعه من "ماسنجر، وحسابات الإنستجرام، وتويتر، والوات ساب" بخط هاتف جوال فى أغلب الحالات، وانتشار جرائم تقنية المعلومات المرتكبة بواسطة هذه الحسابات كان لازما أن يضمن المشرع التحقق والتعرف على بيانات صاحب خط الهاتف كى يضمن الوصول إلى مرتكبى هذه الجرائم.
ولهذا أوجب القانون رقم 10 لسنة 2003 الصـادر فى 4 فبـرايــر بإصدار قانون تنظيم الاتصالات فى المادة 64 منه على مقدمى الخدمة أو وكلائهم المنوط بهم تسويق تلك الخدمات فى المادة بالحصول على معلومات وبيانات دقيقة عن مستخدميها من المواطنين ومن الجهات المختلفة بالدولة، وذلك فى محاولة حثيثة للحفاظ على سلامة عملية التواصل بين الناس وبعضها البعض، وكى يكون كل واحد منا مسئول مسئولية تامة عن ما يجريه من اتصالات وحتى لا يستغل أى شخص رقم هاتف أخر فى ارتكاب جريمة ما.
التجريم والعقاب فى تسويق خطوط هواتف المحمول دون الحصول على بيانات
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية تتعلق بمناط التجريم والعقاب فى تسويق خطوط هواتف الجوال دون الحصول على بيانات ومعلومات من راغب الاستفادة من الخدمة، خاصة وأن المادة 81 من ذات القانون نصت على أن: "يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه كل من خالف أيا من أحكام المادة 64 من هذا القانون" – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
فى البداية - مقدم خدمة الاتصالات أو وكلائهم يتعين عليهم عند تسويق تلك الخطوط الحصول على بيانات دقيقة عن المواطنين الذين يرغبون فى الحصول على خطوط الهاتف الجوال وإلا حق عليهم العقاب وتطبيق نص المادة سالفة البيان غير أن العقاب مشروط بكون المسوق شخص مرخص له بتقديم خدمه الاتصال أو وكيل له، ومن ثم لا عقاب حين يبيع شخص لآخر خط هاتف جوال خاص به أو يتنازل له عنه أو يبادله بغيره من خطوط، وكذلك الشأن للمشترى أو المتنازل له أو المتبادل معه إذ هؤلاء ليسوا مقدموا خدمة – وفقا لـ"فاروق".
ماذا يعنى التسويق بالنسبة لـ"عقد البيع"؟
ولقد استخدم المشرع للدلالة عن الركن المادى فعل "التسويق" - وهو يعنى طرح خطوط الهاتف الجوال للبيع أو بيعها، والبيع عقد يلتزم به البائع أن يمكن للمشترى ملكية شيء أو حقا ماليا أخر فى مقابل ثمن نقدى، وهذا العقد منظورا إليه من جانب البائع يطلق عليه عقد البيع، أما بالنسبة للمشترى فهو عقد شراء، وتتم جريمة البيع بمجرد انعقاد العقد، فلا يشترط فوق ذلك أن يقع التسليم أو دفع الثمن ولو كان التسليم ملحوظة فى تمام الجريمة، كما أن مجرد حيازة مقدم الخدمة لخط مجهول لا تجريم فيه، إذ يلزم البيع – الكلام لـ"فاروق".
وأيضا فإن الجريمة لا تقوم فى عقود المبادلة التى يلتزم فيه كل من المتعاقدين بمقتضاه بأن ينقل إلى الأخر على سبيل التبادل ملكية مال ليس من النقود كما لا تقوم الجريمة أيضًا فى حالة التنازل عند خط التليفون، وهو عقد يتخلى به مالك الخط عن مال له إلى شخص أخر، ولكن تتحقق الجريمة بالوساطة، وهى تعنى التدخل بين طرفين التعامل فى تعريف كل منهما بالأخر والتقريب بينهما فى شروط العقد، ويستوى فيه أن تكون بأجر أو أن تبذل تبرعا طالما أحد أطراف العقد مقدم خدمة أو وكيل له ولكن لا تتحقق الجريمة فى حق من يشترى الخط لأنه لم يسوق له كما أنه ليس مقدم خدمة أو وكيل عنه – هكذا يقول "فاروق".
التجريم يقع على الاستخدام والبيع لا على الحيازة والإحراز
ويلزم أيضا لتحقق الجريمة إلا يحصل مقدم الخدمة المسوق عن بيانات المواطن الراغب في الشراء أو الاستفادة من الخدمة ولم يكتف المشرع بمطلق البيانات والمعلومات من راغب الشراء أو الاستفادة من الخدمة، وإنما تطلب أن تكون المعلومات دقيقة من حيث الإسم والسن ومحل الإقامة والحالة الاجتماعية والوظيفة والرقم القومي.. الخ، والجريمة عمدية فلا تقع بالإهمال، إذ يلزم أن يتعمد مقدم الخدمة أو وكيله إلا يحصل علي بيانات دقيقة من راغب الاستفادة من الخدمة أو المشتري أو لا يحصل على البيانات أو المعلومات من باب أولى، ويتضح مما تقدم كذلك أن مجرد حيازة واحراز خطوط هواتف جوال في حد ذاته ولو كانت مجهولة المصدر غير مجرم.
رأى محكمة النقض فى الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدى لمثل هذه الإشكالية فى الطعن المقيد برقم 2610 لسنة 83 جلسة 14 مارس 2016 حيث عرضت على محكمة النقض واقعة نسبت فيها النيابة العامة لوكيل مقدم خدمة حيازة وأحراز خطوط هواتف جوالة وعدم تحرير عقود لها، وإذ ادانة محكمة الموضوع المتهم ألغت النقص الحكم، وقضت بالبراءة لخروج الواقعة عن مجال التأثيم، وقالت النقض فى ذلك أنه لما كانت واقعة الدعوى تتحصل فيما أثبته الرائد / "...." رئيس وحدة مباحث "...." بمحضره أثناء مروره بدائرة القسم توقف أمام محل "...." لبيع خطوط المحمول وتقابل مع المتهم وبالدلوف داخل المحل وبالتفتيش عثر على عدد أربعة خطوط محمول لشركة "...." بدون عقود تثبت بيانات ومعلومات عن المشترى.
وبسؤال المتهم فى المحضر - قرر أنه صاحب المحل والمدير المسئول وأن الخطوط المضبوطة عددها أربعة ولا توجد لديه عقود عنها من شركة "...."، وبسؤال المتهم فى النيابة العامة شفاهة أنكر وقرر أنه لا يملك الخطوط المضبوطة، وحيث إن المادة 64 من القانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات تُلزِم مقدمو ومشغلو خدمات الاتصالات ووكلاءهم المنوط بهم تسويق تلك الخدمات بالحصول على معلومات وبيانات دقيقة عن مستخدميها من المواطنين والجهات المختلفة بالدولة.
المحكمة فى حيثيات الحكم قالت - لما كان ذلك - وكان الثابت من واقع ما تسطر بمحضر ضبط الواقعة أنه لم يتم ضبط المتهم وهو يقوم ببيع أو تسويق أحد خطوط الاتصالات المضبوطة دون أن يحصل على معلومات عن المتعاقد عنها، وكان مجرد حيازة الخطوط المضبوطة دون محاولة تسويقها دون عقود أو بيانات لا تشكل الجريمة المنصوص عليها في المادة 64 سالفة الذكر، فيكون الاتهام غير ثابت فى حق المتهم ثبوتاً كافياً، وإذ خالف الحكم المستأنف هذا النظر، فإن المحكمة تقضى بإلغائه وبراءة المتهم مما أُسند إليه عملاً بالمادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية.
2
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة