كانت الساعة الرابعة صباح 6 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1964، حين أبلغت طائرة تابعة لشركة الطيران الإثيوبية برج المراقبة لمطار القاهرة الدولى، بأنها داخل المجال الجوى لمصر، وأن رئيس وزراء الكونغو «تشومبى» بين الركاب، وأنها ستهبط فى ظرف ثلاث دقائق.
جاء ذلك بعد يومين ترقب وانتظار لوصول «تشومبى» الذى أصرعلى المشاركة فى «قمة عدم الانحياز» الثانية بالقاهرة بحضور 58 ملكا ورئيسا، بالرغم من إبلاغ قادة المؤتمر لرئيس الكونغو برفضهم حضور تشومبى، المتهم بقتل «لومومبا» زعيم حركة التحرر الوطنى فى الكونغو.. «راجع، ذات يوم، 4 و5 أكتوبر 2021».
تذكر «الأهرام» يوم 7 أكتوبر 1964، أن سلطات المطار أبلغت رئاسة الجمهورية برسالة الطائرة الإثيوبية، فأعطى على صبرى رئيس الوزراء، تعليماته بقيام اللواء سعد الدين الشريف الياور الطيار برئاسة الجمهورية باستقبال «تشومبى»، وإنزاله ضيفا على مصر فى قصر العروبة بمصر الجديدة حتى يتسنى بحث الأمر فى إطار مؤتمر عدم الانحياز هذا الصباح.. تضيف «الأهرام» أنه فى الساعة الثامنة صباحا وصل إلى قصر العروبة محمد فايق مدير مكتب الشؤون الأفريقية برئاسة الجمهورية، وقابل تشومبى.
بدأ تشومبى كلامه لفايق بإبداء إعجابه بالقصر، ودهشته من وجود إرسال تليفزيون بمصر، ثم سأل عن ترتيبات حضوره جلسات المؤتمر بجامعة القاهرة، ووفقا للأهرام: «أوضح له فايق اتجاه المؤتمر إلى معارضة اشتراكه فيه، وسلمه نسخا من الرسائل المرسلة إلى رئيسه «كازافوبو» فى هذا الشأن»، وأضاف أن الموضوع سيعاد بحثه اليوم فى إطار المؤتمر، وحتى يبت المؤتمر فى الموضوع فإن على «تشومبى» أن يعتبر نفسه ضيفا على مصر.
تكشف «الأهرام» أن رؤساء الدول الأفريقية المشتركين عقدوا اجتماعا قرروا بعده بالإجماع أن حضور تشومبى أمر غير مرغوب فيه، وتم تكليف «دياللو تيللى» سكرتير منظمة الوحدة الأفريقية، ومحمد فايق بإبلاغه بذلك، وكان نص التبليغ: «عقد رؤساء الدول والحكومات ورؤساء الوفود الأفريقية المشتركة فى مؤتمر دول عدم الانحياز اجتماعا فى الساعة الواحدة بعد ظهر اليوم 6 أكتوبر 1964، واستمروا حتى الساعة الثانية وأربعين دقيقة، وذلك لبحث موضوع اشتراك «تشومبى» فى المؤتمر الحالى، وبعد أن درس الرؤساء كل جوانب المسألة قرروا بالإجماع أن اشتراك «تشومبى» فى المؤتمر الحالى أمر غير مرغوب فيه، ما لم تنجز اللجنة الخاصة بالكونغو المشكلة برئاسة «جومو كينياتا» رئيس كينيا، من قبل مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية فى دورته غير العادية الثالثة جميع الأعمال المكلفة بها بصفة نهائية وبصورة مرضية، وأجمع الحاضرون على أهمية تمثيل جمهورية الكونغو الديمقراطية «ليوبولدفيل» فى مؤتمر عدم الانحياز بواسطة الرئيس «كازافوبو»، وذلك تأييدا للرسالة التى بعث إليه الرئيس جمال عبدالناصر، وقد كلف الرؤساء «دياللو تيللى» بصحبة أحد أعضاء سكرتارية مؤتمر عدم الانحياز إبلاغ تشومبى بهذا».
تكشف «الأهرام» أن اجتماع القادة الأفارقة انعقد فى مكتب الرئيس جمال عبدالناصر، بالمؤتمر، وأن الاتجاه العام كان قاطعا فى عدم حضور «تشومبى»، وأن الامبراطور هيلاسلاسى امبراطور إثيوبيا بلور الاتجاه بقوله: «مهما كانت الحجج القانونية التى يدفع بها فى تأييد حضور تشومبى واشتراكه فى المؤتمر فإن حضوره من الناحية السياسية أصبح أمرا مستحيلا».
توضح «الأهرام» أن الاجتماع بنى قراره على أساس أن «تشومبى» لم يلتزم بقرارات مؤتمر وزراء خارجية أفريقيا بأديس أبابا بتشكيل لجنة للتوفيق فى الكونغو برئاسة «جومو كينياتا» تتولى مهمتين، الأولى: «تحقيق مصالحة وطنية بين الأحزاب فى الكونغو- ليوبولدفيل، والثانية، تحسين العلاقات بين الكونغو وجيرانها وبالذات بورندى والكونغو برازافيل».
فى الساعة الرابعة والنصف توجه «دياللو تيللى» ومحمد فايق إلى قصر العروبة بنص التبليغ، وتذكر «الأهرام» أنه حين دخل الاثنان كان باديا على وجه تشومبى أنه علم بالقرار، وقال: «وجدت أنه لا فائدة من بقائى فى القاهرة ولهذا سوف أسافر غدا».. رد «تيللى»: «أرجوك أن تنتظر حتى أبلغك ما عندى» ثم بدأ فى قراءة نص القرار.. حاول تشومبى المقاطعة قائلا: «إنى أحتج.. أنا رئيس دولة وحولونى هنا إلى سجين».. تدخل «فايق» قائلا: «أنا هنا أمثل المؤتمر كله، ومع ذلك أسمح لنفسى بأن أتحدث باسم الجمهورية العربية المتحدة «مصر»، إنك لست سجينا، كانت هناك قيود عليك حتى يصل المؤتمر إلى قرار، والآن تستطيع أن تخرج إلى المدينة وتذهب إلى حيث تريد».. رد: هل أستطيع أن أخرج إلى المدينة؟.. قال فايق: بالطبع كما تشاء.. وبدأ «تيللى» فى الحديث إليه عن سياسته فى الاستعانة بجنود مرتزقة، وعلاقته بالاستعمار البرتغالى».
انتهت المقابلة، لكن وقعت مفاجأة ألهبت الموقف وهى تلقى وزارة الخارجية المصرية أنباء من سفارة مصر فى «ليوبولديفيل» بحصار السفارة بالإضافة إلى حصار سفارة الجزائر.. فماذا حدث بعد ذلك؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة