لا صوت يعلو فوق صوت العزيمة والتحدي والإصرار.. فبعزيمة صادقة وإرادة قوية نستطيع خوض الحياة بكل ما تحمله لنا من مصاعب وعقبات، ونحارب الظروف ونصنع الأمل.
"لا إعاقة مع الإرادة".. هكذا ضرب البطل حسن إبراهيم البالغ من العمر 44 عاما ابن مدينة المنصورة، أروع الأمثلة في الكفاح والتحدي، فتمرد على اليأس ورفض أن يعيش سجينا في منزله منذ إصابته بشلل الأطفال، وواجه نفسه ومجتمعه ونجح في عمله بمجال صيانة وتصليح أبواب السيارات مذ كان عمره 16 عاما، مسطرا قصة كفاح ونجاح كان هو بطلها.
تشبث "حسن" بكل فرصة جعلته يحيا بعزة وكرامة وفخر، تحمل المسؤولية وتسلح بالشجاعة والإرادة وقهر المستحيل وظل صامدا يناضل بشرف وكرامة ليتغلب على قدره الذي جعل منه قعيدا بسبب إعاقة رافقته منذ نعومة أظافره، ليثبت للجميع أن لا يوجد شخص معاق بل يوجد مجتمع معيق.
بابتسامة رضا لا يزال صانع الأمل صامدا يكافح في الحياة في مهنة شاقة؛ ليوفر حياة كريمة لأبنائه، حاملا بين كفوفه شقى وتعب السنين، وكأنه لم يذق مرارة الحياة يوما، فمنذ صغره يرفض أن يرى نظرة الشفقة فى عيون الناس تجاهه، وهذا ما دفعه لخوض تجربة العمل من سن مبكر لينفق على نفسه ويصنع مستقبلا له ولأبنائه، مؤمنا بأن الإعاقة الحقيقية هي إعاقة الذهن والفكر وليست إعاقة الجسد.
"إصابتي بشلل الأطفال في الطفولة نتيجة خطأ طبي أصابني بصدمة ألهمتني القوة والعزيمة والإصرار".. هكذا بدأ "حسن" حديثه لـ"اليوم السابع"، فقال إن الإعاقة لم تقف حاجزا أمام تحقيق كيانه واستطاع أن يتحدى الظروف ويعمل في مهنة شاقة تحتاج للقوة وهي صيانة وتصليح أبواب السيارات منذ أن كان عمره 16 عاما ليعتمد على نفسه دون انتظار مساعدة أو عطف وشفقة من أحد، وبالتصميم والإرادة حقق ما يريد.
ويروي أنه عاش حياته بشكل طبيعي جدا ودائما كان يحاول التأقلم مع الإعاقة دون أن يشعر من حوله بعجزه وضعفه أو احتياجه للمساعدة، يقول، "عانيت منذ طفولتي بسبب عدم قدرتي على الذهاب إلى المدرسة بمفردي وممارسة حياتي الطبيعية واللعب والمرح كباقي الأطفال، وظلت أختي الصغيرة تساعدني وتساندني يوميا وترافقني إلى المدرسة، إلى أن تزوجت وغادرت منزل العائلة، وحينها اتخذت قرار ترك التعليم نهائيا لأن عزة نفسي منعتني من طلب المساعدة أو إظهار احتياجي لأحد يساندني للذهاب إلى المدرسة، الأمر كان صعب جدا علي في البداية إلا أنني تخطيت تلك العقبة وقولت لنفسي "أستطيع النجاح في شيء آخر والإعاقة ليست نهاية المطاف".
ويشير إلى أن فترة طفولته كانت مليئة بالصعاب والتحديات، فتألم نفسيا وحزن كثيرا عندما اتخذ قرار ترك التعليم، مضيفا أن والده كان منشغلا في عمله ووالدته كانت سيدة مسنة ومريضة وتحتاج لمن يساندها، فرفض أن يثقل عليهم ويشعرهم بالضغط، فبالرغم من أن فترة مكوثه في المنزل بلا تعليم وعمل كانت المرحلة الأصعب على الإطلاق إلا أنها كانت دافعا له للبحث عن طريق جديد يكمل من خلاله حياته للأفضل.
ويتابع أنه قرر بعد ترك التعليم أن يكافح ويعمل في أي وظيفة؛ ليعتمد على نفسه و"يسترزق من عرق جبينه"، مشيرا إلى أنه يكره الضعف والهزيمة والإنكسار، وكان يؤمن ويثق في ذاته وقدراته وبأنه يتميز عن الآخرين، وقادر على تحقيق المستحيل والنجاح في المجال العملي، فعمل في مجالات كثيرة شاقة كالنجارة وصيانة السيارات، ومع الوقت طور من مهارته وأصبح ناجحا في مجاله متخذا من إعاقته طاقة أمل ونور صنع بهم المجد.
ويقول إنه عندما ذهب للعمل في ورشة للنجارة، لاحظ أن صاحب العمل لا يشركه في العمل، ويتيح له الفرصة للتجربة؛ خوفا عليه وعلى صحته، فطلب منه إتاحة الفرصة له ليكافح ويجتهد في العمل معتمدا على نفسه، فلبى صاحب الورشة رغبته وعلمه سر المهنه وأثقله بكل ما يحتاجه من خبرة حتى أصبح متمكنا في مجاله، مضيفا أنه انتقل بعد فترة للعمل مع أخيه في ورشته والذي ساعده كثيرا ودعمه وعلمه الكثير حتى أصبح متمكنا في مجال صيانة وتصليح أبواب السيارات، مؤكدا على أنه كان يسهر الليالي في الورشة يعمل ويصلح أبواب السيارات ليزود من خبرته.
ويستطرد "كنت بصلح أبواب السيارات وأنا واقف على رجلي وماسك العكاز من وأنا عندي 16 سنة لحد ما رجلي التانية اتبهدلت"، حيث كان يتحامل على نفسه ويقف لساعات طويلة على قدميه ممسكا بالعكاز منذ الصباح الباكر يوميا، دون كلل أو ملل، مصرا على الوقوف بشموخ واستكمال عمله، باحثا عن الرزق الحلال الذي يعيله على تربية أبنائه وتوفير حياة أفضل لهم.
وعن أحلامه قال "حسن"، إنه يأمل في توفير حياة كريمة آمنة لأبنائه، ومعاشا يسانده على تحسين ظروفه المعيشية وسيارة للمعاقين تساعده على الحركة والانتقال، مؤكدا على أنه سيظل يكافح لآخر نفس في حياته بعزة وكرامة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة