أوفد المستشار سليمان حافظ، زوج ابنته لمقابلة صلاح نصر مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة فى 2 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1956، وذلك بعد قيام «بريطانيا، فرنسا، إسرائيل» ببدء عدوانها الثلاثى ضد مصر بشن إسرائيل غاراتها يوم 29 أكتوبر 1956.
كان سليمان حافظ نائبا لرئيس مجلس الدولة قبل قيام ثورة 23 يوليو 1925، ثم كان نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية بعدها، وفقا لما يذكره سامى شرف مدير مكتب عبدالناصر، فى الكتاب الأول من مذكراته «سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر»، أن زوج ابنة «حافظ» كان يحمل رسالة من والد زوجته يطالب فيها تدبير لقاء فورى بينه وبين عبدالناصر، لأمر بالغ الخطورة، وقام صلاح نصر بتكليف من الرئيس بمقابلته ليستطلع منه شخصيا أسباب طلب اللقاء، وفهم منه أن الرسالة تخص الأحداث المتعلقة بالوضع المترتب على العدوان الثلاثى، وأن هناك اقتراحات بتنحى القيادة السياسية الحالية عن مسؤوليتها لإنقاذ مصر من الدمار الذى ستتعرض له، وكرر طلبه بمقابلة الرئيس.
يؤكد «شرف» أن طلب هذه المقابلة جاء بعد اجتماع ضم عناصر من أحزاب الوفد والسعديين والأحرار الدستوريين وجماعة الإخوان، وقرروا فى نهاية اجتماعهم إعداد رسالة بمطالبهم، وبقيت أمامهم مشكلة من الذى يسلمها إلى عبدالناصر، وكان «سليمان حافظ» هو الاختيار.
يذكر «شرف» أنه لما أبلغ صلاح نصر هذه الرسالة إلى الرئيس، رفض مقابلته، وكلف عبداللطيف البغدادى بمقابلته، وحين بلغ «حافظ» ذلك طلب أن يحضر المقابلة اللواء عبدالحكيم عامر، وقابله فعلا «البغدادى وعامر»، فماذا جرى فى هذه المقابلة؟
يكشف «البغدادى» فى الجزء الأول من مذكراته: «اتفقنا على أن تكون المقابلة بالمنزل الذى كانت به عائلتى بالدقى، وأن يكون موعد المقابلة الساعة الثامنة والنصف مساءً، وتوجهت مع عبدالحكيم إلى المنزل بالدقى ومعنا الصاغ على شفيق سكرتير عبدالحكيم، ثم أرسلناه لإحضار سليمان حافظ فحضر بعد مدة، وسألنا سليمان حافظ عن الأحوال، مستطردا: «أنا طلبت مقابلة جمال لأعرض عليه اقتراحا سبق أن ذكرته لأحمد حسنى - وزير العدل - فهل هو لم يخبركم؟»، فسألناه عن هذا الاقتراح الذى نشير إليه؟، فقال: «أن نتقدم بطلب للدول المعتدية بجعل مصر دولة محادية كسويسرا وكذا قناة السويس. وأن تضمن هذه الدول حياد مصر وذلك حتى نجنب البلاد ويلات الحرب والدمار والخراب والاحتلال، وأن يقوم بتقديم هذا الاقتراح شخص آخر غير جمال عبدالناصر، وليس هناك أصلح من محمد نجيب لهذه المهمة».
فرد عليه عبدالحكيم بقوله: إن هذا الاقتراح سبق وتقدم به جمال للجنة «مانزيس» ولكنه رفض، فقال: «إذن الموقف الآن قد تغير» وسأل: «ماذا تنوون أن تفعلوا؟»، فأجبناه استمرار المقاومة الشعبية، فقال: «المقاومة الشعبية تحتاج إلى تنظيم وإلى معنويات، والتنظيم يحتاج إلى وقت طويل، وأنتم لم تقوموا بعمل هذا التنظيم، وليس أمامكم إلا الاعتماد على المعنويات، وهذه المعنويات لن تتوافر إلا إذا تولى قيادة المقاومة الشعبية شخص محبوب من الشعب كمحمد نجيب، وعلى جمال عبدالناصر أن يعود إلى الكتيبة السادسة المشاة».
يضيف «البغدادى»: «لما سألناه لماذا يعود جمال إلى الكتيبة السادسة المشاة، قال: «لأن الناس بتقول هو جمال عبدالناصر بيخلط بين مجده الشخصى وبين مستقبل البلاد».. فقلت له: «من هو محمد نجيب؟ لقد نسيه الشعب، وأعمال جمال فى الفترة الماضية جعلتهم ينسون محمد نجيب».. قال: «أنا أقول لكم الحقيقة والناس لا تصارحكم بها، جمال مكروه وغير محبوب».
فسأله عبدالحكيم: «وكيف تفسر نتيجة الاستفتاء التى حصل عليها جمال؟ وهى تثبت عكس ما تقول».. رد: «إننا نعلم جميعا كيف تجرى مثل هذه الأمور خاصة أن الشخص المستفتى عليه هو الذى يتولى زمام الحكم فى البلاد».. قلت: «إن الكل يعلم مدى الحرية المطلقة التى كانت مكفولة لكل من كان له حق الاستفتاء»، قال: «هذا صحيح، ولكن الخوف دفعهم لتجنب المشاكل التى ستقع على كل منهم لو لم يصوت فى جانب جمال»، فقال له عبدالحكيم: «أنت تعرف محمد نجيب وأنا أعرفه، وهو لا يصلح لهذه المهمة»، رد سليمان حافظ أن هذا صحيح، ولكنه سيكون رمزا للكفاح الشعبى، ومن الممكن أن يكون جمال عبدالناصر نائبا له ليتولى القيادة الفعلية لهذا الكفاح تحت شعار محمد نجيب».
يؤكد «البغدادى»: «أوضحنا له فى النهاية أن الكفاح سيستمر ولكن دون محمد نجيب، وأقفل الحديث معه فى هذا الموضوع، وتحدثنا عن الماضى عندما كان يتعاون معنا فى بداية الثورة، ثم شعر بأننا على عجلة من أمرنا فاستأذن، وغادرنا المنزل معه».
كانت المقابلة فى الساعة الثامنة والنصف مساء، بعد أن قام «عبدالناصر» بإلقاء خطابه الشهير فى الجامع الأزهر بعد صلاة الجمعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة