«عندما مرضت الفنانة ليلى مراد مرضها الأخير، وأحست أن الموت قادم، أوصت بأن تشيع جنازتها دون إعلان مسبق، وأن ينشر النعى التقليدى بعد أن يكون الدفن قد تم، وأن تكون الصلاة عليها فى مسجد السيدة نفيسة فى القلعة، ولا أحد من الغرباء يحضر تشييع جنازتها إلى مثواها الأخير»، حسبما يذكر الكاتب يوسف القعيد فى مقاله «حكايتان عن ليلى مراد، 1 أكتوبر 1996»، ويذكر فيه جانبا من وقائع نهايات هذه الفنانة العظيمة التى توفيت فى «21 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1995»، بعد حياة بدأت من يوم مولدها (17 فبراير 1918) لأب فنان يهودى الديانة، هو زكى مراد.
شهدت حياتها عواصف كثيرة، حضرت فيها السياسة بعواصفها، وقسوة الفقر، والحب والهجر، والملك فاروق، وثورة 23 يوليو 1952، ومحمد عبدالوهاب ونجيب الريحانى، وأزواجها الثلاثة، أنور وجدى، وفطين عبدالوهاب، ووجيه أباظة أحد ضباط ثورة 23 يوليو 1952 البارزين، والمخرج فطين عبدالوهاب، وتحولها من اليهودية إلى الإسلام.
وحضرت موهبتها الفنية الفذة التى جمعت بجمال صوتها، وموهبتها التمثيلية، غير أن كل ذلك لم يضمن لها حياة تمنتها كما أرادت وحلمت بها، وعبرت عن ذلك فى مقالها «أنا» بمجلة «الكواكب، 1954»، وأورده الكاتب الصحفى أشرف غريب فى كتابه «ليلى مراد.. الوثائق الخاصة»، قالت: «أنا ابنة الحظين، الحظ الباسم والحظ العاثر، الحظ الضاحك والحظ العابس، دارت بى عجلة الحياة فى غير الدورة التى كنت أمنى النفس بها، دارت بى متخذة وجهة غير التى كنت أريدها، قال الناس عنى: مطربة ذات صوت شجى أخاذ، وقال الناس عنى: محظوظة ذات طالع سعد نادر، وأقول عن نفسى: أنا ليلى مراد التى تعذبت فى حياتها الماضية، وتتعذب فى حياتها الحالية، وسوف يطاردها العذاب فى حياتها الآتية».
وقالت لصالح مرسى، فى كتابه «ليلى مراد»، إنها رأت نفسها «ليلى» التى تنتظر «قيس»، وظنت أن أنور وجدى الذى فتحت له قلبها فأحبته وتزوجته هو قيسها، لكنها اكتشفت أنها بالنسبة لها ليس أكثر من «مشروع تجارى» يدر ربحا وفيرا له، ولأنها تعلمت ألا تترك حريتها لأحد، اصطدمت به، فكان الطلاق مرة، والعودة، ثم الطلاق والعودة، حتى كان الطلاق الثالث والنهائى عام 1952، ووقع بعد أن ضبطته مع عشيقته الفرنسية «لوسيت» الذى جاء بها من فرنسا إلى شقة استأجرها سرا فى حى «الزمالك».
توفيت ليلى مراد مسلمة متمسكة بدينها الإسلامى، منذ أن أشهرت إسلامها عام 1946 بإرادتها على يد شيخ الأزهر حسين مخلوف، واعتزلت الفن عام 1955 وعمرها 37 عاما فقط، واختلفت التفسيرات حول أسباب اعتزالها، وهى فى عز نضجها الفنى وجمالها اللافت، وحمل خبر رحيلها فى «الأهرام»، 22 نوفمبر 1995 دلالات خاصة عكست حالة عاشتها فى سنواتها الأخيرة، قالت «الأهرام»، إنها قبل أن تترك بيتها إلى المستشفى فى مرضها الأخير، كان بجوار سريرها مصحف القرآن الكريم، وكانت فى وسطه علامة تشير إلى المكان الذى وصلت إليه فى قراءتها للقرآن الكريم، وكانت تنوى ختمه لكن الأجل وافاها قبل أن تحقق أمنيتها، وأكد ابناها زكى فطين عبدالوهاب، وأشرف وجيه أباظة، إنها ختمته قبل ذلك أكثر من مرة فى حياتها.
بدا الخبر على هذا النحو وكأنه يرد على المزاعم التى كان يثيرها البعض، حول ما إذا كانت عادت إلى يهوديتها، غير أن الحقيقة كانت فى أن هذا الكلام يحمل أغراضا سياسية خبيثة، تقف إسرائيل وراءه بقوة منذ توقيع اتفاقية «كامب ديفيد»، وكان تصرفها يوم وفاتها نموذجا فى ذلك، يذكر أشرف غريب: «صاحب رحيلها لغط شديد بعد أن حاول البعض اللعب من جديد على وتر أصولها اليهودية، وساهمت فى ذلك إذاعة صوت إسرائيل من أورشليم القدس الناطقة بالعربية، التى واكبت نبأ رحيلها باحتفالية خاصة، لم تقدمها لفنان من قبل بمن فى ذلك أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب، ما كان يوحى برغبتهم فى تزكية هذا اللغط الدائر فى الشارع العربى حول ديانتها ومكان دفنها والبلبلة التى تزامنت مع توقيت جنازتها، خاصة أنهم أعلنوا نبأ وفاتها فى صدر نشراتهم الإخبارية، تحت عنوان «رحيل المطربة اليهودية الكبيرة ليلى مراد».
حاولت إسرائيل بشتى الوسائل الاتصال بها، وسعت عبر سفارتها بالقاهرة أن تجذبها لأنشطتها، وعرض إغراءات مادية وفنية لا حدود لها، ومنها تنظيم مهرجان كامل للأغنية العربية تكون هى سيدته الأولى، لكنها كانت ترفض بحسم، مؤكدة على مصريتها وعروبتها وإسلامها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة