لم تكن المرأة ـ أبدًا ـ مجرد زوجة وربة بيت وأم أطفال، بل كانت صاحبة رأي ومشورة، خاصة النساء المعروف عنهن رزانة العقل، والحكمة في القول والفعل، لا بعض السيدات اللاتي يعشقن الحكي، والتدخل في أمور الرجال، والحديث في كل أمر، مجرد الحديث، ما يفقدها جمالها وهيبتها ووقارها، ويجعلها بمثابة "أداة للزن"، وتعكير الأجواء، وربما يكون كثرة حديثها سببا في تفاقم المشاكل، و"خراب البيوت".
"المرأة القوية"، ليس بكثرة حديثها، وإنما باتزان علقها وفكرها، ويزيدها صمتها أحيانًا جمالًا وهيبة، وتتسبب آرائها الحكيمة في حل المشاكل، وتقريب وجهات النظر، ويكون رأيها محل اهتمام وعناية، مثل السيدة العظيمة أم سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كانت صاحبة رأي صائب، وقد أخذ الرسول الله صلى الله عليه وسلم بمشورتها، عندما حدث صلح الحديبية، وكان من شروط الكفار ألا يدخل المسلمون في هذه المرة لزيارة الكعبة ويعودوا العام القادم، وبعدما فرغوا من كتابة وثيقة الصلح طلب رسول الله من المسلمين أن ينحروا ويحلقوا ولكن لم يقم أحد منهم، رغم أن الرسول كرر ذلك ثلاث مرات.
دخل الرسول عند السيدة العظيمة أم سلمة وسرد لها ما حدث، وهنا حضر عقل السيدة المتزنة الهادئة، فقالت رضي الله عنها: يا نبي الله، اخرج ولا تكلم أحدا حتى تنحر "ذبيحتك" وتحلق، فخرج رسول الله وفعل بمشورتها فما كان من المسلمين إلا أن نحروا وحلق بعضهم لبعض، وبذلك حلت المشكلة.
الأعمال الدرامية الهادفة، كانت حريصة على تصدير هذا النموذج الرائع من السيدات الهادئة التي لا تتحدث كثيرًا، لكنها تفعل الكثير بحكمة وعقل، مثل شخصية "فاطمة تعلبة" في المسلسل الأشهر "الوتد" رائعة الكاتب الكبير خيري بشارة والذي تم انتاجه سنة 1996، تجسد فيه الفنانة الرائعة هدى سلطان شخصية سيدة قوية، تتمتع بذكاء كبير، لكنها في كل المواقف تقدم ابنها الكبير "يوسف شعبان" ليتحدث، بينما تأخذ هي خطوة للخلف، إذا تجمع الرجال، لتحافظ على هيبة زوجها وابنها طوال الوقت، وتستطيع بفطنتها الفطرية وذكائها الطبيعي لم شمل أسرتها لتغرد منفردة بين عائلات قريتها في أرياف كفر الشيخ.
هذه الشخصيات من النساء كثيرات، تلك النساء، التي يُجملها ويزينها الصمت في مجالس الرجال، لا تعشق "الصرصرة" و"الزن" ولا تجنح لـ"الهبد"، وإنما تخرج الكلمات من فمها كأنها جواهر، بميزان جواهرجي، تتذوق الحروف قبل النطق بها، حديثها حكمة، وصمتها جمالا ووقارًا.