على مدى العقود السابقة، كانت هناك تحذيرات من التغيرات المناخية الحادة، والخطر الذى يهدد كوكب الأرض، بفعل السياسات الصناعية والسلوكيات الضارة من البشر، والمفارقة أن الدول الكبرى الصناعية والمتقدمة ساهمت بالنصيب الأكبر فى تلوث الأرض، وارتفاع درجات الحرارة، منذ الثورة الصناعية، فضلا عن الحروب والتجارب النووية، التى تضاعف من انتزاع الأمان وترفع الخطر، فالدول الكبرى، التى تمثل 1% فقط من دول العالم، تساهم فى أكثر من نصف التلوث والاحتباس الحرارى، وفى نفس الوقت ترفض القيام بدورها ومسؤوليتها فى التخفيف من الضغط على الكرة الأرضية التى تئن على مدى عقود، لكنها فى السنوات الأخيرة أعلنت الشكوى، وظهرت أعراض المرض والتهديد فى حرائق وفيضانات وجفاف وفقر انعكست على الدول الفقيرة، وظلت الدول الكبرى بعيدة عن التأثر.
وخلال انعقاد قمة المناخ فى جلاسجو، أعيد طرح الأمور بشكل واضح، مع إحساس بالخطر، ربما يكون ذلك دافعا للدول الكبرى أن تقدم ما عليها لصيانة الأرض قبل فوات الأوان، وبالرغم من وجود اتفاق باريس، الذى يحدد أن تدفع الدول الصناعية الكبرى 100 مليار دولار للدول النامية حتى يمكن خفض التلوث والتكيف مع التغيرات المناخية، فإن هذه الاتفاقات والتوصيات تظل خارج التنفيذ، وهو ما أكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته، حيث أوضح أهمية وجود برنامج تنفيذى واضح يتضمن شقا مخصصا للتمويل، بما يضمن استدامة تدفق التمويل الموجه للتكيف بالدول النامية، ووضع حوافز للاستثمار فى أسواق الكربون، وتوجيه جزء من عائداتها لتمويل التكيف.
مصر حرصت هذه المرة على الحضور، ونقل رسائل الدول النامية للدول الكبرى، فضلا عن استضافة القمة المقبلة، بما يشير إلى أن الدول النامية وأفريقيا تدفع نحو تحريك القضية بشكل يضعها قيد التنفيذ، فالدول الكبرى بصناعتها تسبب التلوث، والدول النامية هى من تدفع الثمن وتسدد الفاتورة.
الرئيس عبدالفتاح السيسى كان حريصا على تقديم استراتيجية مصر للمناخ والاقتصاد الأخضر، والتوسع فى الطاقة الخضراء والمتجددة، خلال خطة متصاعدة وصولا إلى أن تكون الطاقة الخضراء أكثر من 50%، من خلال محطات الطاقة الشمسية والرياح، وإحلال المواصلات غير الملوثة، والتوسع فى القطارات والمترو والسيارات الكهربائية، فضلا عن التوسع فى استخدام الطاقة الشمسية فى المدن الجديدة والطرق، ومن هنا فإن مصر وهى تحمل صوت أفريقيا، تقدم النموذج القابل للتطبيق، الذى ينتظر أن تفى الدول الصناعية بتعهداتها، وتقدم التمويل اللازم لمعالجة آثار الانبعاث الحرارى.
الدول الكبرى تدرك، اليوم أكثر من الماضى، خطر استمرار الاعتداء على الأرض، وفى نفس الوقت لا يتوقع أن تكون مستعدة لتخفيض الصناعات والتنافس الكبير، مع التأكد من خطر ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات والحرائق.
مصر تسعى لاستضافة قمة المناخ المقبلة، وتحمل رسائل الدول النامية، وتقدم نموذجا واضحا، مع الأخذ فى الاعتبار أن استخدام الطاقة المتجددة يتطلب تمويلا، وهو فرض على الدول الصناعية تجاه الدول النامية.
مصر والكونغو والدول الأفريقية رفعت أصواتها هذه المرة، ودول العالم النامى لم يكن لديها أوراق للضغط والتفاوض فى السابق، ومصر ترفع شعار الشراكة والتعاون، وتطرح تجربتها، وهى جهود يمكن أن تثمر فى توصيل الرسائل بالشكل الذى يمكن أن يحقق خطوات إيجابية، ويلزم الدول الكبرى بتنفيذ توصيات وتحويلها إلى قرارات، خاصة أن أفريقيا لديها مفتاح مهم فيما يتعلق بالتغير المناخى.