أغرقت المنشورات مدينة بورسعيد يوم 7 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1956.. كانت المقاومة السرية تواصل أعمالها البطولية ضد قوات العدوان الثلاثى «بريطانيا، فرنسا، إسرائيل»، وكانت المنشورات إحدى وسائلها، وأولها يوم 7 نوفمبر بعنوان «سنقاتل.. سنقاتل».
يذكر الدكتور يحيى الشاعر، أحد قيادات هذه المقاومة فى كتابه «الوجه الآخر للميدالية.. أسرار المقاومة.. حرب السويس 1956»: «ظهر يوم الأربعاء 7 نوفمبر 1956 أول المنشورات التى تدعو إلى مقاومة العدوان، ثم انتشرت فى بورسعيد، وتم لصقها على العمدان والحوائط، وغطت جدران أعمدة وبواكى المنازل فى شارع سعد زغلول الرئيسى بكميات كبيرة من صور الرئيس جمال عبدالناصر، وصور جمجمة وعظمتين».
لطبع هذا المنشور قصة، يذكرها «ضياء الدين حسن القاضى» فى كتابه «الأطلس التاريخى لبطولات شعب بورسعيد»، مؤكدا أن طبعه كان فى مطبعة محمد شاكر مخلوف.. يضيف: «تخصص فى كتابة تلك المنشورات عبداللطيف بدر، أحمد قورة، حلمى الساعى، العصفورى، الدسوقى، ومختار، وذلك تحت مجموعتين أطلق عليهما «الهاتاشاما»، وامتد طبع المنشورات إلى مطبعة السيد المغربى، وكانت هناك منشورات باللغة الإنجليزية والفرنسية توزع داخل معسكراتهم بمعرفة الفدائيين أو أفراد منظمة «أيوكا» القبرصية بقيادة الأسقف مكاريوس الذى صار رئيسا لقبرص فيما بعد، وكانت تناضل إلى جانب المقاومة السرية فى هذه المعركة».
يوضح «القاضى» أصل تسمية «الهاتاشاما» قائلا: «كان التنظيم السياسى فى مصر فى زمن العدوان الثلاثى «هيئة التحرير»، وكان سكرتيرها العام فى بورسعيد «أمين محمد العصفورى» الذى اجتمع بأعضاء الهيئة فى بورسعيد، واتفقوا على حرب المنشورات بجوار حرب السلاح، فقامت بطبع المنشورات السرية برمز «هت» أى «هيئة التحرير»، وبعدها تكونت لجنة من «هيئة التحرير واللجان العمالية فى بورسعيد، وأصدرت منشورات برمز«هتشم» أى هيئة تحرير شعب مصر، وعندما أعلنت الصين الشعبية إرسال متطوعين لبورسعيد ثم إضافة «ألف»، وأصبحت «هاتاشاما».
كان «مخلوف» صاحب المطبعة «بطلا مخلصا أبيا» بوصف «يحيى الشاعر»، مؤكدا: «مكافح سرى ضد الاحتلال البريطانى لقناة السويس منذ الأربعينيات «القرن الماضى»، واشترك فى أوائل أفراد المحاربين الفدائيين سنة 1948 فى فلسطين، وزميل محمد هادى الشاعر فى الكفاح السرى ضد الاحتلال، وأحد المؤسسين الأوائل لحزب مصر الفتاة، وتم القبض عليه مرات كثيرة أيام حكم الملك فاروق، وألقى فى السجن السياسى أكثر من مرة، ووضع البوليس السياسى مكافأة كبيرة للقبض عليه عامى 1950 و1951 بعد أن ألغى «النحاس باشا» معاهدة 1936».. يضيف الشاعر: «كان محمد شاكر مخلوف عضوا فى مجموعة الإسعاف التى انتمى إليها العديد من المواطنين، خاصة المدرسين، وقاموا بدور بطولى فى إنقاذ العديد من أرواح الجرحى وقت العدوان، واستعملوا سيارات الإسعاف فيما بعد لمساعدتنا فى تهريب الأسلحة والذخائر داخل المدينة، بل وأهم من ذلك قامت مجموعة الإسعاف بتهريب الرائد أركان حرب سعد عبدالله عفرة إلى بورسعيد داخل عربية إسعاف، والذى أوفده الرئيس جمال عبدالناصر لتولى المرحلة الثانية من المقاومة السرية المسلحة، التى تميزت بالقسوة، واختطاف ملازم أول «مورهاوس»، ابن عمة ملكة بريطانيا، واغتيال جون وليامز، مسؤول المخابرات البريطانية فى بورسعيد على إيد البطل سيد عسران».
ينقل «الشاعر» من مذكرات «مخلوف» عن المعركة، أنه تقابل مع الضابط «س.خ» يقصد الملازم أول سامى خضير، والنقيب سمير غانم باسمه الكودى «حمدى» فى منزل الحاج محمود خضير، وفهم الغرض المطلوب».. يضيف مخلوف: «تسلمت منهما التعليمات، وذهبت فى حراسة الله إلى المطبعة، وقمت بتجهيزها وتسليمها إلى الجهاز المكلف بتوزيعها ممثلا فى أشخاص كمال الغرباوى وعبدالرحمن رشدى وعبده مكاوى الصياد.. كان أساس طبع المنشورات فى البداية جهاز «ألرونيو» الذى ساعدنا على التعبير عن شعورنا ضد الغزو والمحتلين».. يؤكد الشاعر: «وضع هذا البطل جميع مصادر مطبعته وآلاتها وأمواله فى سبيل تحرير مصر، وظل يساهم فى المعركة بطبع المنشورات إلى أن اعتقله المستعمر وهو يعد طبع أول عدد من مجلة «الانتصار».
تم طبع «الانتصار» فى مطبعة بطل آخر من أبطال المقاومة وهو «حامد الألفى»، وفى العدد الثانى منها كتب «مخلوف» رسالة نشرتها على صفحتها الثالثة قائلا فيها: «كنت أشارك إخوانى المجهولين فى ناحية من مجهودهم العريض فى إخراج «الانتصار» حتى فوجئت بهجوم غادر من هؤلاء المعتدين الغادرين على المطبعة وعمالها وآلاتها وحروفها وورقها.. ولم يكن ضبط هؤلاء الغادرين لهذه الأشياء صادرعن دقة فى مخابراتهم كما زعمت إذاعتهم ضمن تهويشها، ولكن الفضل فى وصولهم إلى بغيتهم هو صورة الغدر التى اتخذوها طابعا لهم، فكلنا يعلم أنهم أعلنوا أنهم ينسحبون بمجرد وصول القوات الدولية، ولقد وصلت القوات الدولية فبعثت فى تصرفاتنا شيئا من الطمأنينة ظنا منا أن هؤلاء الغادرين قد كفوا أيديهم عن هذه المدينة التى لم تلن ولن تلين قناتها.. كنا نقوم بدورنا هنا منذ بداية المعركة حتى قبضت القوات المعتدية علينا وقادتنا إلى مركز التحقيق، وتركتنا مدة ثلاث ساعات تحت المطر الغزير والهواء اللاسع، حيث بدأ معنا سلسلة من التحقيق والتهديد».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة