نامت القنبلة التى وضعها الفدائى البطل سيد عسران فى صفيحة القمامة، أمام شقة أسرته فى بورسعيد ليلا، وفى الساعة الثامنة صباح 14 ديسمبر، مثل هذا اليوم 1956، أخذها فى جيبه ونزل إلى الشارع، عاقدا العزم على قتل الضابط «جون وليامز»، رئيس مخابرات قوات الغزو البريطانى لبورسعيد، أثناء العدوان الثلاثى «بريطانيا، فرنسا، إسرائيل» ضد مصر، الذى بدأ بغارة إسرائيلية يوم 29 أكتوبر 1956..«راجع، ذات يوم، 13 ديسمبر 2021».
كان «وليامز» يواصل تحركاته الدائبة فى شوارع بورسعيد من أجل فك لغز عملية اختطاف الضابط «مورهاوس»، التى نفذتها المقاومة الفدائية السرية يوم 11 ديسمبر 1956، وكان «عسران» يتابعه يوم 14 ديسمبر، ويخفى قنبلته فى رغيف عيش اشتراه من فران، حسنين رشوان، المواجه لبيته، حسب روايته للكاتب الصحفى محمد الشافعى فى كتابه «شموس فى سماء الوطن - أبطال المقاومة الشعبية فى مدن القناة»، مضيفا:«وضعت القنبلة فى الرغيف لكى أموه على الدوريات الإنجليزية، سرت فى الطريق إلى إدارة المرور، وجدت جمهرة من السائقين وسيارة سوداء، عرفت أن «وليامز» يحقق مع السائقين».
كان «وليامز» يسابق الزمن لمعرفة أى معلومة من السائقين عن السيارة التى حملت «مور هاوس» مختطفا، ترك المكان متجها إلى شارع رمسيس، لاحقه «عسران»، فوجئ بالسيارة تقف أمام مبنى شعبة البحث الجنائى، كان المبنى عبارة عن دور واحد له شبابيك، يتذكر عسران:«سرت أمام المبنى، رأيت وليامز بالداخل، فوقفت على الرصيف المقابل، وكلما مرت دورية أمثل أننى آكل فى الرغيف، بعد ربع الساعة خرج وليامز ومعه ضابط آخر وركبا السيارة، كنت أقف محل أمين ندا للقماش، نزلت على الرصيف، وقبل أن تصلنى السيارة أخرجت ورقة من جيبى ولوحت بها، ظن وليامز أنها شكوى أو معلومات، أوقف السائق، فتح زجاجة السيارة ليأخذ الورقة، تعمدت أن أرميها فى «الدواسة»، انحنى ليأخذها، قذفت القنبلة داخل السيارة بعد أن نزعت الفتيل منها، وجريت مسرعا وسمعت انفجارا شديدا، وراح الناس يجروا، وكل واحد يقول للآخر: ولد صغير قتل ضابط المخابرات».
يتذكر «عسران»: «جريت حتى المستشفى الأميرى فوجدت سيارة جيب إنجليزية تأتى نحوى، فدخلت أحد المنازل، وكان به صالة أفراح اسمها «الكحكى»، ووجدت أن للمنزل بابا آخر على شارع الثلاثينى، خرجت منه، ووجدت الناس مازالوا يجروا، وصلت إلى قهوة أبى، فوجدت المخبر حسين قشطة يقف مع والدى، أخذنى أبى من يدى وأغلق القهوة.. قلت له: سأقول لك الحقيقة، لقد استشهد أخى، وأخذت ثأرى من الضابط وليامز،«كان أبى يظن حتى هذه اللحظة أن أخى خرج من المدينة ولم يستشهد تحت دبابات الغزو»، لمعت عينا أبى لكن بلا حزن، ذهبنا إلى البيت، قال لى: لا تخرج، أوهمته بالموافقة حتى خرج، ارتديت جلباب أخى ونزلت إلى الشارع، الذى حدثت فيه العملية، كان الشارع خاليا، إلا أن كل الأسطح كان عليها جنود إنجليز، والناس تسير بحذر شديد تحت البواكى، عدت إلى البيت لأنام لأول مرة منذ بداية العدوان بشكل مريح ورائع».
بترت ساق «وليامز» ثم توفى متأثرا بجراحه، يتذكر «عسران»:«بعد عمليتى خطف مورهاوس ومقتل وليامز، انسحبت قوات الإنجليز من حى العرب إلى حى الافرنج، وأقاموا أسلاكا شائكة، فسهر سكان حى العرب وانطلق رصاص الفرح، وسقط حظر التجوال، ونشطت كل مجموعات الفدائيين.
قررت قيادة المقاومة إخفاء عسران، يتذكر:«جاءنى محمد حمدالله وقال إن المخابرات تطلب منا مغادرة المدينة خوفا علينا، فقضينا الليلة فى شارع كسرى أنا ومجموعة خطف «مورهاوس»، وكانت الخطة أن نرتدى جلاليب ثم نتوجه إلى بحيرة المنزلة، حيث سيرسلون لنا لنشات لتقلنا، ولكننا سرنا فى مياه البحيرة الباردة سبع ساعات، وكلما نادينا على مركب صياد لا يأتى، لأن عددنا كبير، ثم وجدنا مركبا كبيرة إلى حد ما، قلت للصياد: والنبى أشرب يا عم، فجاء الرجل، قفزنا إلى المركب ووصلنا إلى المطرية، أخذنا ضباط حرس الحدود إلى مكتب المخابرات، وغيرنا ملابسنا وذهبنا إلى القاهرة، وحجزوا لنا فى لوكاندة طارق الجديدة فى ميدان العتبة.
يؤكد الدكتور يحيى الشاعر «قائد المجموعات الشعبية المقاتلة» فى بورسعيد «ضمن تشكيلات» المقاومة السرية فى منطقة القناة، فى كتابه «الوجه الآخر للميدالية - حرب السويس - الأسرار الكاملة لحرب المقاومة السرية فى بورسعيد 1956»، أن عسران نفذ العملية وخطط لها بمفرده، ودون علم قيادة المقاومة وأى مساعدة منها»، يؤكد:«هذه العملية كانت من أنجح عمليات المقاومة السرية تتبعها فى أهميتها عمليتا «اختطاف الضابط مورهاوس» يوم 11 ديسمبر 1956، ومهاجمة ملجأ الدبابات البريطانية يوم 15 ديسمبر».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة