لا تتوانى الدولة المصرية للحظة واحدة خلال السنوات السبعة الماضية عن الاهتمام بالمشاريع الأثرية بجميع محافظات مصر، وذلك فى إطار رؤية ورسالة الدولة المصرية للنهوض بقطاعى السياحة والآثار، وتعزيز ريادة مصر كوجهة سياحية كبرى حديثة ومستدامة، من خلال ما تملكه من موارد ومقومات سياحية وطبيعية وبشرية وأثرية غنية ومتنوعة، والمحافظة على الإرث الحضارى المصرى الفريد للأجيال القادمة.
كما أن أعمال الترميم التى تتم سواء فى المتاحف أو المواقع الأثرية تعيد علينا من جديد أحداث حقبة مهمة فى التاريخ المصرى القديم، ومن ضمن المشاريع التى تتم فى الوقت الحالى منطقة أبو مينا الأثرية، التى تعود إلى القرنين الرابع والخامس الميلادى، وتقع عند الحافة الشمالية للصحراء الغربية، وبالتحديد على بعد 12 كيلو مترًا تقريبًا من مدينة برج العرب بالإسكندرية.
وتعود تسمية المنطقة بهذا الاسم إلى شخص كان يدعى القديس مينا، عاش فى نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع الميلادى، وهو أحد المنضمين إلى الجيش الرومانى آنذاك، لكنه لم يستمر طويلاً، إذ هرب من الخدمة نظرًا إلى بدء اضطهاد المسيحيين خلال عهد الإمبراطور "دقلديانوس" وأعلن مسيحيته فتم إصدار الأوامر بقطع رأسه.
كانت المنطقة فى الماضى عبارة عن قرية صغيرة غير معروفة، لكن ذاع صيتها بسبب وجود مدفن القديس مينا، لكونها تضم مجموعة كبيرة من المعالم ذات الأغراض الدينية، حيث أصبحت فيما بعد من أهم مراكز الحج المسيحية في مصر، وكان ذلك خلال أواخر القرن الخامس والنصف الأول من القرن السادس الميلادي.
وداخل المنطقة مبنى رئيسي يعد مركزًا للحج يقع في الجزء الجنوبي من منطقة سكنية قديمة، بداخله يتجمع الحجاج الوافدون في فناء متسع على شكل ميدان يحيطه صفوف من الأعمدة، ومن الناحية الشمالية من هذا الفناء كان يوجد فندقان يحتويان فناءً داخليًا يحيطه حجرات النزلاء من الحجاج.
إلى الأمام فى ناحية أقصى الشمال توجد المرافق الخاصة بالحجاج الوافدين، فكان يوجد حمامان مزودان بالمياه الدافئة التي يحتاجها الحجاج بعد عناء خلال سفرهم لمدة طويلة، وتبدأ مناسك الجح بفتح الفناء القبلي على كنيسة مدفن القديس مينا.
ونظرًا إلى أهمية موقع منطقة أبو مينا كونها إحدى المناطق التي تتمتع بطراز معماري فريد ومتميز تم تسجيلها ضمن عداد الآثار، طبقًا للقرار رقم 698 في عام 1956م، ليتم بعد ذلك ضمها إلى قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو عام 1979م، بهدف الحفاظ على المنطقة لأهميتها.