أصدرت وزارة الأوقاف، كتاب "إنسانية الحضارة الإسلامية"، إذ يبين الكتاب أن ديننا الحنيف عني عناية بالغة بالجانب الإنساني والقيم الإنسانية، سواء في أخلاقه أم في تشريعاته، حيث كرّم الإسلام الإنسان على إطلاق إنسانيته بغض النظر عن لونه أو جنسه أو لغته، وحرّم الدماء والأموال والأعراض عامة، فكل الدماء حرام ، وكل الأموال محفوظة، وكل الأعراض مصانة.
وأضافت الوزارة فى بيان اليوم، أن الكتاب يبرز عناية التشريع الإسلامي بحقوق الأيتام والضعفاء والفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة، بما يحقق التكافل المجتمعي والوفاق والوئام الإنساني في أسمى معانيهما، مع نهيه عن التحاسد والتباغض والتنابز بالألقاب وسائر أدواء إساءة الإنسان لأخيه الإنسان .
ويؤكد الكتاب أن مشروع الإسلام الحضاري والثقافي يستند إلى وحدة الأصل الإنساني، وإلى صالح الإنسان في معاشه ومعاده، مرسخًا كل معاني الحق والعدل والتراحم والتعارف الإنساني بين البشر كافة .
وقدم للكتاب الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بمقدمة جاء فيها :
لا شك أن ديننا الحنيف مفعم بالقيم الإنسانية سواء في أخلاقه أم في تشريعاته ، فعندما كرم الإسلام الإنسان كرمه على أخلاقه الإنسانية بغض النظر عن لونه أو جنسه أو لغته أو عرقه ، فقال سبحانه : " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ " ولم يقل : كرمنا المسلمين وحدهم ، أو المؤمنين وحدهم ، أو الموحدين وحدهم، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول :" يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ ربَّكم واحِدٌ ، ألَا لا فَضْلَ لعَرَبيٍّ على عَجَميٍّ ، ولا لعَجَميٍّ على عَرَبيٍّ ، ولا لأحمَرَ على أسْوَدَ ، ولا لأسْوَدَ على أحمَرَ إلَّا بالتَّقْوى ، إنَّ أكْرَمَكم عندَ اللهِ أتْقاكم"، وكان يقول في شأن سلمان الفارسي : " سلمان منا آل البيت " ، وعن عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) يقول : " أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا "، يعنى بذلك بلالًا الحبشي ، وقال رسولنا (صلى الله عليه وسلم) : "لينتهيَنَّ أقوامٌ يفتخرونَ بِآبائِهِمُ الذينَ ماتُوا إِنَّما هُمْ فَحْمُ جهنمَ أوْ ليكونُنَّ أَهْوَنَ على اللهِ مِنَ الجُعَلِ الذي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بِأنْفِهِ إِنَّ اللهَ قد أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفَخْرَها بِالآباءِ إِنَّما هو مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ الناسُ كلُّهُمْ بَنُو آدمَ وآدَمُ خُلِقَ من تُرَابٍ".
وعندما حرَّم الإسلام قتل النَّفس حرَّم قتل النَّفس كل نفس وأي نفس وعصم كل الدماء فقال الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : " أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ " ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "لا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا " ، وعندما رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) امرأة كافرة عجوزًا مقتولة في ساحة القتال قال (صلى الله عليه وسلم) : "مَنْ قَتَلهَا ؟ مَا كَانَت هَذِه لِتُقَاتِل" ، بما يعني أنه لا يوجد في الإسلام قتل على المعتقد ، إنما يكون القتال لرد العدوان ، ولما مرت عليه (صلى الله عليه وسلم) جنازةُ يهودي وقفِ (صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ) فقِيلَ له: إنَّها جِنازةُ يَهوديٍّ ، فَقالَ: أَليسَتْ نَفْسًا؟! ، وعندما تحدث القرآن الكريم عن خيرية هذه الأمة ربط هذه الخيرية بإنسانية هذه الأمة وكونها خير الناس للناس ، فقال سبحانه وتعالى: " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم " .
وعني التشريع الإسلامي بشأن الأيتام والضعفاء والفقراء والمحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة ، وجعل (صلى الله عليه وسلم) الساعي على الأرملة والمسكين كالصائم القائم ، وكالمجاهد في سبيل الله أجرًا وثوابًا وحسن عاقبة ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول : "هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ" ، وعندما وصفته (صلى الله عليه وسلم ) السيدة خديجة (رضي الله عنها) قالت: "فَوَالله لا يُخْزِيكَ الله أبَدًا ؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ ، وتَحْمِلُ الكَلَّ ، وتَقْرِي الضَّيْفَ ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ".
وراعى الإسلام حق الضعيف والجار والمسكين والمحتاج ، فقال نبينا (صلى الله عليه وسلم) :" وَالله لا يُؤْمِنُ ، وَالله لا يُؤْمِنُ ، وَالله لا يُؤْمِنُ " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ الله وَمَا ذَلِكَ ؟ قَالَ : " مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَه ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : " مَن كانَ يُؤْمِنُ بالله واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ بالله واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ بالله واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ"، وقال (صلى الله عليه وسلم) : " مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَان وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ " ، ولما قيل له : إنَّ فلانةَ تقومُ اللَّيلَ وتَصومُ النَّهارَ وتفعلُ ، وتصدَّقُ ، وتُؤذي جيرانَها بلِسانِها ؟ فقال رسولُ اللهِ (صلَّى الله عليهِ و سلم):" لا خَيرَ فيها ، هيَ من أهلِ النَّارِ" ، وعندما تحدث (صلى الله عليه وسلم) عن حقوق الجار سما بها إلى أعلى درجات الرقي الإنساني حين قال : "ولا تُؤذِه بقُتارِ قِدْرِكَ إلَّا أنْ تَغرِفَ له منها، وإنِ اشتَرَيتَ فاكِهةً فأهْدِ له ، فإنْ لم تَفعَلْ فأدخِلْها سِرًّا ، ولا يَخرُجْ بها وَلَدُكَ ليَغيظَ بها وَلَدَه، أتَدرونَ ما حَقُّ الجارِ ؟ والذي نَفْسي بيَدِه، ما يَبلُغُ حَقَّ الجارِ إلَّا قَليلٌ مِمَّن رَحِمَ اللهُ ".
وراعى الإسلام حق وشعور الغريب والبعيد ، فقال الحق سبحانه في شأن معاملة الوالدين: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا"، وجعل الإسلام اللقمة التي تضعها في فم امرأتك ، والنفقة التي تنفقها على ولدك صدقة ، ونهى حتى عن مجرد جرح المشاعر فقال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : " مَن كانت له أُنثى فلم يَئِدْها، ولم يُهِنْها، ولم يُؤثِرْ ولَدَه عليها - الذُّكورَ- ، أدخَلَه اللهُ الجَنَّةَ " ، وقال (صلى الله عليه وسلم): "إذا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فلا يَتَناجَى اثنان دون صاحبهما فإنَّ ذلك يُحزِنُه "، ودعا إلى كل ما يحقق الوفاق والوئام الإنساني ، فنهى عن التحاسد والتباغض والتنابز بالألقاب ، ودعا إلى التراحم والتزاور والتسامح ، وحسن الظن ومناداة الإنسان بأحب الأسماء إليه والبشاشة في وجهه ، فقال (صلى الله عليه وسلم): "لا يَحْقِرَنَّ أحدُكم شيئًا من المعروفِ ، فإن لم يَجِدْ فلْيَلْقَ أخاه بوَجْهٍ طَلْقٍ ، وإذا اشْتَرَيْتَ لحمًا أو طَبَخْتَ قِدْرًا فأَكْثِرْ مَرَقَتَه ، واغْرِفْ منه لِجارِكَ".
فما أحوجنا إلى استعادة وترسيخ هذه القيم الإنسانية التي دعا إليها ديننا الحنيف لنحقق بصدق خيرية هذه الأمة كما أرادها الله (عز وجل) ، وتستحق بها رحمة الله أولًا ، وأن نكون شهداء على الأمم ثانيًا وأن نغير الصورة القاتمة التي رسمتها الجماعة الإرهابية المضللة لديننا الحنيف من جهة أخرى .
ويتناول هذا الكتاب موضوع "إنسانية الحضارة الإسلامية"، حيث يضم مجموعة مختارة من الأبحاث التي قدمها نخبة من العلماء الأجلاء لمؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في دورته السابعة عشرة ، مع نسبة كل بحث منها إلى كاتبه بمنتهى الأمانة العلمية، ويشرفني أن أشارك هؤلاء الأعلام الكبار في هذا الكتاب بمبحث خاص عن رسول الإنسانية (صلى الله عليه وسلم) ، يبرز بعض الجوانب الإنسانية في حياته وهديه (عليه الصلاة والسلام) ، سائلاً المولى (عز وجل) أن يتقبل هذا العمل ، وأن يجزي كل من أسهم فيه ببحث ، أو جهد ، أو تنظيم لذلكم المؤتمر، أو أشرف عليه خير الجزاء.