الاستثمار تجربة محفوفة بالمخاطر، لا يُمكن أن تخطو خطوتك الأولى واثقا من النجاح، ستسعى بالتأكيد إلى تلافى الخسارة لكنك لن تضمن تجنب المخاطرة. ربما لهذا قد يُحجم البعض، لا سيما الشباب، عن خوض التجربة، وقد يتراجع آخرون مع أول سقطة، ولهذا أيضا تتحرك الدولة فى اتجاه مغاير، بحسب رسائل الرئيس عبد الفتاح السيسى اليوم، وهو اتجاه أكثر وعيا وبصيرة وقدرة على استكشاف مكامن الخوف ومعالجتها فى صدور الناس أولا، ثم فى بيئة العمل ومجتمع الاستثمار.
على هامش افتتاحه حزمة جديدة من المشروعات التنموية العملاقة، خلال جولته الثانية جنوبا بأسبوع الصعيد، وجه الرئيس الحكومة إلى دراسة وتقنين أوضاع المصانع غير المرخصة، والتحرك خطوة إلى الأمام مع المستثمرين ورواد الأعمال عبر مزيد من الضبط والحوكمة وتيسير الإجراءات، لكن أهم ما تضمنته تلك التوجيهات الدعوة المباشرة إلى مساعدة الناجحين، وتكثيف المساعدة كلما نجحوا، دون تغافل عن دعم ومساندة من لم يُحالفهم الحظ أو تعثروا فى مشروعاتهم، من أجل تقويمها وتصحيح مسارها وإعادة وضعها على طريق الاستقرار والنجاح والاستدامة.
قبل أكثر من قرن أطلق شاب طموح اسمه فرانكلين كلارنس مشروعا لإنتاج الشوكولاتة، فشل وأغلق مصنعه وتجارته أكثر من مرة، لكنه أصر وعاود العمل إلى أن دشن مصنعا جديدا وحالفه الرواج وأصبح أكبر مُنتج للشيكولاتة وصاحب العلامة الأشهر عالميا. يعود الفضل أولا إلى إصرار "كلارنس"، ثم إلى حزمة تسهيلات تمتع بها من المصارف والممولين، وقدر من حُسن الحظ ورواج البضاعة، لكن التوفيق وحده قد لا يكون كافيا للنجاح إذا غابت المساندة واهتز الإصرار. وهو المدخل الذى تعالج منه رسائل الرئيس الأخيرة واحدة من مشكلات الاستثمار، ليس بالمساندة والتحفيز والدعم فقط، وإنما بتوفير بيئة مستقرة ومُستدامة، وتعزيز حالة الاطمئنان وشعور المستثمرين ورواد الأعمال بالأمان، لأنهم إزاء دولة تعمل وفق فلسفة مُغايرة، وترى القطاع الخاص شريكا وداعما، وتوجه كل قطاعاتها لاحتضانه والعمل معه ورعايته، ثم المبادرة بإنقاذه ومدّ يد العون حال سقوطه أو ارتباك خطاه.
قبيل أزمة كورونا قاربت معدلات النمو مستوى 6%، ومؤخرا عادت الأمور إلى الاستقرار والتعافى من آثار الجائحة، ليسجل الاقتصاد 7% نموا بالربع الأخير من العام المالى الماضى. داخل تلك التركيبة تنمو بعض القطاعات بمستويات قياسية، تتقدمها الصناعة والاتصالات والتشييد والبناء، وكلها تمثل مقومات عضوية صلبة لامتلاك بيئة اقتصادية واستثمارية حديثة وناهضة ومُستدامة التطور، ولعل فى تلك الحقائق ما يُفسر اهتمام الدولة بشبكات الطرق والمرافق والمجتمعات العمرانية، وشبكات الاتصال وأنظمة التحول الرقمى ومُدن الجيل الرابع، وتحديث الصناعة وتوطين الأنشطة المتقدمة والاهتمام بنمو المناطق والمجمعات الصناعية كما وكيفا.
نحو 6.2 تريليون جنيه قيمة المشروعات القومية المنفذة خلال السنوات السبع الأخيرة، بحسب حديث الرئيس السيسى اليوم، منها 1.6 تريليون جنيه خلال السنة الأخيرة، حققت طفرة حقيقية ملموسة فى مجالات الإسكان والمرافق والبنية التحتية والاتصالات والصناعة والزراعة والخدمات. لكن فى عُمق تلك الأرقام هناك تفاصيل عديدة يُمكن التوقف معها، تخص ملايين الوظائف المُولّدة بفضل تلك الاستثمارات، وحيوية البرامج التعليمية والصحية وما طال منشآتها وخدماتها من تحسّن وتطوير، ونسبة إسهام القطاع الخاص وما تُحققه من فاعلية اقتصادية وتنوع فى بيئة العمل ومكونات النمو، وقبل كل ذلك أعداد المستفيدين من المشروعات وأنظمة الدعم والمساندة الموجهة لرواد الأعمال، سواء بالعمل فى قطاعات صناعية مُغذية، أو الاستفادة من تعاقدات الشركات الكبرى، أو الحصول على تمويل مباشر لمشروع إنتاجى أو تجارى أو خدمى خاص.
باتت بيئة الأعمال المصرية جاذبة ومُطمئنة، وآلاف الشباب أكثر حماسا لتأسيس مشروعاتهم الخاصة، ومع قوة ووضوح رسائل الرئيس اليوم بحاجة الدولة لحضور القطاع الخاص ومساندته للتنمية، وتوجيهاته للحكومة بمساندة شباب المستثمرين وأصحاب الأنشطة الواقعة خارج المنظومة الرسمية، ومساعدة الناجحين ودعم المتعثرين، سيصبح الأمر أكثر جاذبية مع ارتفاع منسوب الثقة والاطمئنان، ووفرة الأمل فى النجاح وسط بيئة داعمة وسوق نامية وقادرة على استيعاب وتحفيز وإنجاح كل الأفكار والمشروعات. فالآن يبلغ النمو مستوى مشجعا، ولدينا آفاق مستقبلية إيجابية، وفئات عديدة تلتحق بسوق العمل وتحصل على فرص أفضل، ما يرفع مستوى المعيشة ويعزز حدود الدخل والإنفاق، إلى درجة تُغذى الطلب وتحفز النمو وتُشجع على الاستثمار والعمل، من أجل تلبية هذا الطلب واقتناص جزء من منافعه. هكذا يزداد الاستثمار ويتضاعف النمو ويصبح الشباب أكثر ثقة ومبادرة، لأن فلسفة جديدة فى العمل تعنى أملا جديدا فى النجاح، لكنه أمل مُطمئن ومدعوم بالرؤية والبصيرة وسوابق الإنجاز، لأن الدولة جرّبت سبع سنوات وأفلحت فى كل تجاربها ورهاناتها، ومن نجح مرة سينجح بالتأكيد ألف مرة.