نشرت الصحف المصرية والعالمية، فى 5 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1954، أحكام «محكمة الشعب» برئاسة جمال سالم، بإعدام محمود عبداللطيف وآخرين من جماعة الإخوان، المتورطين فى محاولة اغتيال جمال عبدالناصر، بميدان المنشية بالإسكندرية، 26 أكتوبر 1954.
كان المحامى هنداوى دوير، ضمن المحكوم عليهم بالإعدام، وكان فى الثلاثين من عمره، وهو الذى شحن رأس محمود عبداللطيف بأن «جمال عبدالناصر عدو الإسلام، واتفاقية الجلاء نهبت أموال مصر لتسليمها إلى الإنجليز»، وسلم المسدس لمحمود عبداللطيف الذى استخدمه فى محاولة الاغتيال، «راجع، ذات يوم، 4 ديسمبر 2021».
كانت اعترافات «دوير» فى تحقيقات النيابة، ثم أمام المحكمة، مثيرة، ووفقا للجزء الأول من مضابط «محكمة الشعب»، إعداد «كمال كيرة»، فإنها كشفت أسرارا هائلة عن النظام السرى للإخوان ومخططات الجماعة الإرهابية، والتى امتدت إلى ما بعد اغتيال عبدالناصر، تحدث طويلا أمام المحكمة، وكشف عن أن إبراهيم الطيب، كان مسؤولا عن النظام السرى فى القاهرة، وكان هو رئيسه فى إمبابة، وأثناء معاهدة الجلاء وعقب التوقيع عليها، ابتدأ الإخوان الشحن ضدها، وطبعوا منشورات ووزعوها فى كل مكان، وكان إبراهيم الطيب يقول: «إن الخطة هى تعبئة الناس ونفوس الإخوان ضد المعاهدة»، يضيف: «انقطعت المنشورات نهائيا، فسألت إبراهيم الطيب عن السبب، فقال: إنه تقرر أن نتجه اتجاها إرهابيا، فقلت له: الاتجاه الإرهابى لايفيد الدعوة أو البلد، وأننا لم نحقق أى نتيجة فى عهد الملك فاروق، فقال لى: لا..لقد وضعنا خطة كاملة، وبعد ذلك بـ15 يوما جاءنى، وقال لى: إن التنظيم قرر التخلص من جمال عبدالناصر، ثم أعضاء الثورة والضباط الأحرار، فقلت له: هل حققتم هذه المسائل دينيا؟ فقال: نعم، وأظنكم تعلمون أن التنظيم السرى لا يناقش ما يتلقى من أوامر».
وقال «دوير»: «أُُنتخب محمود عبداللطيف للاعتداء على جمال عبدالناصر، وأعطانى إبراهيم الطيب المسدس الذى أعطيته بدورى لمحمود، وسألت إبراهيم: إيه الخطة؟ فأجابنى، بأن الرجل الصعيدى - واعذرونى لهذا التشبيه - يتبع خصمه سنة، أى أن واجب محمود يتبع الرئيس مهما طال الوقت، وعلى هذا ذهبت إلى محمود، وقلت له هذا الكلام، وسلمته المسدس والطلقات»، وعن دور المرشد حسن الهضيبى فى المؤامرة، قال «دوير»: «فى هذه الأثناء زارنى محمود الحواتكى وعبدالفتاح القرشى فى البيت، وقالا لى إنه بلغهما أن النظام قرر الاتجاه نحو الإرهاب، وقالا: إن المرشد ذكر أنه يعارض هذا، وأنه برىء من دم جمال عبدالناصر إذا قُتل، وأنا سألت نفسى إلى أين نحن متجهون؟ وبعد ذلك زارنى إبراهيم الطيب، وكان يأتى لى يوميا، فقلت له ما قاله لى الحواتكى، ولكنه رد على قائلا: إنهم أصحاب هوى، ثم أضاف أن هذا خطأ، وأنهم متصلون بالمفصولين من الإخوان وبالأستاذ البهى وقصدهم تعطيل العمل، وأن المرشد أصدر أمره بهذا، وكان هذا قبل الحادث بأربعة أيام، وقال، إنه سيعطينى مدفعين ليكون بمثابة كمين يوجه لركب الرئيس، وأحضر حزاما بمثابة لغم يتحزم به محمود، على أن يقوم محمد نصيرى بتتبع خطوات محمود».
لم يتم الأخذ بفكرة اللغم، ونفذ محمود عبداللطيف محاولته بالمسدس، يذكر «دوير»، أنه سمع بنبأ الاغتيال فى التاسعة مساء «وأن الطلقات التى وجهت إلى الرئيس لم تصبه والحمد لله»، يؤكد: «تيقنت أنه لا بد من القبض على، فأخذت زوجتى لإرسالها إلى منزلها فى المنيا، وفعلا أخذنا قطار العاشرة مساء من محطة الجيزة إلى المنيا، ووصلت الساعة 2 صباحا، وعدت، وبمجرد عودتى سلمت نفسى للبوليس، ولا أذكر اسم الضابط الذى قابلته فى القسم».
كشف «دوير» عن دور محمد نجيب، قائلا، إنه حين نبتت فكرة عملية اغتيال الرئيس جمال، علمت أن هناك اتصالا بالرئيس محمد نجيب، وقلت لإبراهيم الطيب: هل تريدون استغلال الرئيس نجيب لتهدئة الرأى العام، وهل هناك صلة؟ فقال: توجد صلة، ولكننا لا نكشف كل أوراقنا»، وسرد «دوير» للمحكمة قصة لها دلالة، قائلا: «كنت فى منزل المرشد العام عقب عودته من سوريا، ودق جرس التليفون حوالى الساعة 12 ونصف مساء، ورد عليه أحد الإخوان، وقال إن المتكلم هو الرئيس نجيب، وأنه سأل عن المرشد فقيل له إنه نام، فرد بقوله، إنه يريد أن يتحدث مع المرشد، فقيل له إنه لايستطيع إيقاظه، فرد نجيب قائلا، ولكنى سمعت أنه وصل فى منتصف الليل، فقيل له، إنه وصل مبكرا، وذهب إلى المركز العام وخطب، ولكنه تعب من الطائرة فطلب منه الرئيس نجيب أن يخطر المرشد بأنه سأل عنه، ويرغب فى التحدث إليه».
ثم قال «دوير»: «غرض الإخوان هو القيام بثورة شعبية، ولكن فى الأيام الأخيرة انتهوا إلى قيام اضطرابات، بالاعتداء على الرئيس جمال، وأعضاء الثورة، ثم يقوم الرئيس نجيب فى حالة الاضطراب بإلقاء خطبة، أو شىء من هذا القبيل، لتهدئة الحال».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة