على مدار سنوات طويلة، كان المتهمون يرتكبون جرائمهم ويدخلون السجون لتنفيذ العقوبات القانونية المقررة، وما أن تطأ أقدامهم السجون، يعلنون ندمهم على اقترفت أيديهم، ويلعنون تلك اللحظة التي لم يتحكموا في أنفسهم، ويسيطرون على شيطانهم الأشر الذي زج بهم في السجون.
على مدار عدة سنوات، وقبل أكثر من 10 سنوات من الآن، كنت أحاور المتهمين، وأناقشهم في أسباب ارتكابهم للجرائم، لنصدر للقراء الدروس والعبر، حتى يتفادوا أخطاء الغير، فلا يكونوا يومًا مكانهم.
وأنا أحرر قصص المتهمين ـ وقتها ـ في صفحات الحوادث المتخصصة، كنت ألاحظ أن كثير من المتهمين لا يريدون أن يبوحوا بأية تفاصيل، أو معلومات عن الجريمة، ولا يريدون أن يتذكروا تفاصيلها، ولما لا، وهي التي تسببت في دخولهم السجن، وربما تزج ببعضهم على "طبلية عشماوي"، وكنت أحترم رغبتهم في ذلك.
الملفت للانتباه، أنه مع انتشار الانترنت بكثرة خلال هذه الأيام، وسيطرت السوشيال ميديا على كل شيء، لم يكتفي المتهمون بارتكاب الجرائم، وإنما يوثقوها بالصوت والصورة من خلال "الفيديو"، وربما كان ذلك مفيدًا لرجال البحث الجنائي، حيث تساعدهم هذه الفيديوهات ـ لدى تسربها ـ في تحديد هوية المتهمين وضبطهم.
لكن، الملفت للانتباه، أن بعض المجرمين الذين يوثقون جرائمهم بالفيديو، يتلذذون بذلك، يعاودون مشاهدتها بين الحين والآخر، وكأنهم يستمتعون بذلك، وهم يشاهدون أنفسهم يقتلون أو يسرقون أو يفعلون أي شيء خارج نطاقه الطبيعي، وربما يكون التوثيق لارتكاب جرائم أخرى مثل الابتزاز ومساومة الغير، خاصة عندما تتعلق الجرائم بمسألة الشرف.
المتابع جيدًا لصفحات الحوادث المتخصصة خلال الأيام الأخيرة، يجدها مليئة بهذه النماذج من القصص، التي يحرص المجرمين فيها على توثيق جرائمهم بالفيديو، خاصة تلك الجرائم المرتبطة بالعلاقات غير الشرعية، التي يصور أحد طرفيها الآخر بالفيديو لمساومته وابتزازه بالمال أو لضمان عملية الاستمرار، فضلًا عن بعض جرائم البلطجة واستعراض القوة وجرائم التنمر، وهناك من يرتكب جريمة ثالثة، بجانب ارتكابه للجريمة الأولى ثم توثيقها، بأن يبث هذه الفيديوهات على السوشيال، كنوع من الاستعراض، لتطوله يد العدالة سريعًا.
بعض المجرمين يحتاجون لتحليل نفسي واجتماعي دقيق، للوقوف على سلوكهم، والدوافع التي قادتهم لذلك، ورغبتهم الملحة في توثيق جرائمهم بالفيديو، حتى نكتشف هذا النوع من المجرمين ونتفادهم.