سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 17 فبراير 1822..محمد على باشا يبدأ تكوين الجيش المصرى بجمع أربعة آلاف من الوجه القبلى لتدريبهم فى أسوان وجعلهم جنودا مدى الحياة

الأربعاء، 17 فبراير 2021 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 17 فبراير 1822..محمد على باشا يبدأ تكوين الجيش المصرى بجمع أربعة آلاف من الوجه القبلى لتدريبهم فى أسوان وجعلهم جنودا مدى الحياة   محمد على باشا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصدر محمد على باشا، والى مصر، أمره إلى أحمد باشا طاهر، ليجمع من الوجه القبلى أربعة آلاف مصرى لينضموا إلى «لاظوغلى» ناظر «وزير» النظام العسكرى، ليرسلهم إلى سليمان باشا «كولونيل سيف» مدرب الجند بأسوان، ليدربهم حسب مقتضيات النظام الحديث ثلاث سنوات يعادون بعدها إلى بلادهم ويعتبرون جنودا مدى الحياة.
 
صدر هذا الأمر يوم 17 فبراير، مثل هذا اليوم، 1822، وكان بداية التمصير للجيش المصرى، حسبما يذكر طارق البشرى فى كتابه «المسلمون والأقباط»، استكمله «الباشا» بمكتوب إلى ابنه إبراهيم باشا فى مارس 1822 يحدد له شروط التجنيد من الفلاحين، بأن يكون المجند «متوطنا فى القرية التى يجلب منها، وذا أهل وسكن فيها، وليس من هؤلاء الداخلين الشاردين الذين لا يضبطهم ولا يقضهم زمام، وأن يحرر هؤلاء الأفراد بمعرفة حكام أقاليمهم وبكفالة شيوخ قراهم، بحيث يكونون مستقرين فى أماكنهم مهيئين للطلب، وأن تثبت فى الدفتر أسماء قراهم وأسماؤهم وأسماء آبائهم، وأنهم سيستخدمون ثلاث سنين، يعطون فى أثناء خدمتهم لحما وأرزا مفلفلا مرتين فى الأسبوع، ومرتبا قدره ثمانية قروش كل شهر، والكسى اللازمة لهم كل عام».
 
يرى «البشرى»، أن هذا القرار يمثل منعطفا تاريخيا عظيم الخطر فى بناء مصر الحديثة، وأنه كان أول قرار بالتجنيد الإجبارى للمصريين، وبناء المؤسسة العسكرية - ركيزة الدولة - من «ذوى الأهل والسكن فى مصر»، وينقل عن المؤرخ «شفيق غربال» فى كتابه «محمد على بك الكبير» تعليقه على ذلك بقوله: «لقد حل محمد على الكبير مشكلة تكوين القوة العسكرية على الوجه الذى أوجدته الديمقراطية الفرنسية وليدة الثورة الفرنسية، أى التجنيد العام، وسوى بذلك أمرا استعصى على الحكومة الإسلامية، لقد عمدت الحكومات القديمة إلى استخدام أهل المناطق الجدباء أحيانا، وإلى جميع العبيد أحيانا أخرى، حاولت الحكومة الإسلامية هذا الحل أو ذاك، وكان سر اضطرابها وتزعزع كرسيها ونفاد موادها».
 
يتتبع الأمير عمر طوسون، طريق محمد على إلى «التكوين الأول للجيش النظامى المصرى»، موضحا فى كتابه «الجيش المصرى البرى والبحرى»، أن الباشا أدرك بمجرد ما تسلم زمام حكومة مصر «1805» أنه لا بد من إدخال النظام الحديث فى القوة العسكرية البرية والبحرية لكل حكومة، تريد أن تكون مقاليد البلاد فى قبضة يدها حتى تتمكن من إدارة شؤونها على محور النظام، وتعمل على حفظ حوزتها من الغارات الخارجية، فبدأ بإسناد مهمة إنشاء جيش على النظام الحديث إلى الكولونيل الفرنسى سيف، الذى جاء إلى مصر عام 1819، وأسلم، وعرف باسم «سليمان باشا»، وفى عام 1820 وجهه محمد على مع خمسمائة من مماليكه إلى أسوان ليدربهم هناك على الطرق الحديثة فى استعمال الأسلحة والنظام العسكرى، فاضطر عظماء مصر أن يحذوا حذو الوالى ويرسلوا مماليكهم إليه ليدربهم، فأصبح عدد الموفدين للتدرب على يديه فى أسوان ألفا.
 
يعيد «طوسون» سبب اختيار «محمد على» لأسوان مركزا عاما للتعليم العسكرى إلى خلوها من الملاهى التى تشغل الشباب، وبعدها عن الأنظار المتجهة إلى عمل الوالى، فيتفرغ هؤلاء الذين وضع المستقبل بين أيديهم للهمة التى وجهوا إليها، لذلك شيد هناك أربع ثكنات كبيرة لتكون مأوى لهؤلاء التلاميذ، ومدرسة يتلقون فيها مبادئ العسكرية الجديدة، فى آن واحد.
 
يذكر «طوسون» أن محمد على كان كلما فكر فى أن يكون هذا الجيش من الأتراك والأرنؤود اعترض له ما صدر من هؤلاء من الثورة ضد النظام العسكرى مرارا، فرأى أن يؤلف الجيش الجديد من جنس آخر، غير أنه بقى مترددا فى تعيين هذا الجنس، وكان يرى اختيار المصريين لهذا الأمر مخاطرة كبيرة، فعمد إلى الوسيلة الأخيرة وهى تأليف الجيش من أهل السودان، فجلب منهم ثلاثين ألفا إلى منفلوط الواقعة فى صعيد مصر، ولم تتوج هذه التجربة بالنجاح، فقد فشا الموت فى السودانيين، فهلك الألوف منهم لعدم ملائمة البيئة لهم من جهة، وضعفهم عن تحمل مشاق الخدمة العسكرية من جهة أخرى، بعد فشل كل هذه التجارب، توجهت أنظار محمد على إلى تجنيد المصريين، فأصدر أمره إلى جمع أنفار الجيش الجديد منهم، وفقا لما يذكره طوسون مؤكدا: «لكن هؤلاء «المصريون» تمردوا بعض التمرد إلا أن تمردهم قُمع قبل استفحاله، ولم تمر عليهم مدة طويلة حتى مالوا إلى المعيشة العسكرية لما لقوا فيها من رغد فى المأكل وجمال فى الملبس».   






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة