بداية، تبذل الدولة جهودا كبيرة لمواجهة ظاهرة انتشار "معامل بير السلم" من خلال شن حملات يومية، سواء من قبل إدارات العلاج الحر بمديريات الصحة، أو جهاز حماية المستهلك بعد استغلال البعض من معدومى الضمير الفرصة لإنشاء معامل تحاليل كيميائية ضاربين عرض الحائط بقوانين التراخيص واشتراطات السلامة الصحية ومكافحة العدوى، لشكل دكاكين فى القرى والريف وأقاليم المحافظات والأحياء الشعبية، لدرجة وصلت أننا أصبحنا نسمع أرقاما صادمة من حيث عدد الإغلاق تقوم الجهات الرقابية بإعلانه يوميا، للقضاء على هذه الظاهرة وتقنينها، ولم تكتف الدولة بالجانب الرقابى، بل أنها فى الطريق الآن فى تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل، والتى بدأت بالفعل في محافظات مثل بورسعيد، وجارٍ العمل فى الأقصر، والتى بدورها ستكون الحل الناجز والجذرى لمواجهة هذه الظاهرة.
ونموذجا على ذلك، إعلان جهاز حماية المستهلك الخميس الماضى، أنه بالتعاون مع إدارة العلاج الحر ببنى سويف، أنه تم إغلاق 6 معامل تحاليل طبية، لعدم وجود تراخيص وعدم الالتزام بالاشتراطات الصحية ومكافحة العدوى والتخلص الصحى من النفايات كما تم غلق مركز للعلاج الطبيعى يعمل بدون ترخيص، وقيام إدارة العلاج الحر بنفس المحافظة، وفقا لتقرير تم تقديمه للمحافظ، مفاده أنه تم إغلاق 5 عيادات خاصة، وغلق 3 معامل للتحاليل الطبية، ومركزين للعلاج الطبيعى والأسنان وتوجيه إنذار بالغلق لمركزين للعلاج الطبيعى.
ورغم جهود الدولة المضنية، فإن انتشار هذه المعامل، والتى تعد مشروعا تجاريا "بزنس" تحكمه عوامل الربح والخسارة، يمثل عبئا صريحا على صحة وحياة الناس، لأنها تدار وفق منظومة يقودها غير متخصصين من بيطريين أو زراعيين، أو فنيين من أصحاب خبرات متواضعة، يمارسون عملهم داخل معامل تفتقر لأدنى معايير الجودة، وتحتوى على أجهزة طبية متهالكة، كثرت الأخطاء فى نتائج التحاليل، وبالتالى زادت أخطاء تشخيص وتقييم الأمراض، وذلك بسبب النتائج غير الدقيقة، لأن ببساطة معامل التحاليل إحدى الجهات المساعدة للطبيب على تشخيص حالة المريض، لتحديد العلاج المناسب له.
والمشكلة الحقيقية تتمثل في نقص التوعية، وإقبال البعض على هذه الدكاكين، لرخص أسعارها وسرعة استلام نتائجها، والانخداع بشعارات مزيفة تكتب على جدرانها أو على مواقع التواصل الاجتماعى كدعاية مثل "اطمن على نفسك.. دقة وسرعة وسعر مناسب" نالت هذه المعامل شهرة وشعبية، والملفت أن كل هذا يحدث فى ظل تخرج أعداد بالآلاف من الجامعات المصرية من كليات "الطب البيطرى والزراعة والعلوم"، متخصصين فى هذه المجالات، والسؤال أين هذه الآلاف من هذه المهنة؟
ولهذا فالأمر ليس سهلاً، لأنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بصحة وحياة الإنسان، والتشخيص السليم سواء بالتحاليل أو الأشعة أو غيرها يعدّ حجر الأساس، بل أهم أركان المنظومة الطبية التي يتم على أساسها تحديد الخطة العلاجية للمريض، ولهذا لابد من تطبيق كافة الاشتراطات بدءًا من مزاولة أبناء المهنة مهنتهم ومنع الدخلاء، وصولا لشروط التراخيص للمعمل والمبنى نفسه، وحتى طريقة مرور الهواء داخله، وسلامة الأجهزة، نهاية بالمتابعة المستمرة والرقابة الصارمة.
لذا.. يجب علينا جميعا رفع شعار ضبط الجودة، حتى لو تطلب الأمر سن تشريع جديد بمجلس النواب لسد أية ثغرة فى القانون الحالى، أو الشروع في إنشاء هيئة مختصة لديها أعداد كافية لتغطية جميع المحافظات لإجبار هؤلاء على تطبيق معايير الجودة، مع ضرورة وحتمية مراجعة أسعار المعامل الكبرى حتى لا نترك أصحابها يفترسون المرضى، وتكون النتيجة ذهاب المرضى إلى معامل بير السلم هروبا من الأسعار المبالغ فيها، والبحث عن الأرخص.
وأخيرا.. وحتى نكون صادقين مع أنفسنا، فالمسئولية ليس فقط على الحكومة والجهات الرقابية بل أيضا على المريض نفسه، بأن يكون لديه وعى كافٍ بخطورة الأمر، والتأكد من مدى نظافة وتعقيم المعمل، وسلامة حجرة سحب العينات، بأن لا يرى مثلا عينات تجلط أو تراكم فى كم العينات المسحوبة، والتأكد من هوية العاملين، فهل هم حقا أخصائيين أم بدون مسمى طبى؟ وعدم الاكتفاء بشهادات ممهورة بأى ختم تُعلق على جدران حائط معمل كيميائي هو فى الأصل دكان تجارى قد يقوده للموت..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة