حالة كبيرة من الجدل، أثارتها ميجان ماركل، إثر تصريحاتها حول العائلة المالكة في بريطانيا، والتي تضمنت اتهامات صريحة بالعنصرية، تجاه ابنها الوليد أرشى، في خطوة تحمل تصعيدا، لمعركة، ربما بدأت منذ فترة، عندما أعلن زوجها هارى الانفصال عن قصر باكنجهام، قبل عدة أشهر، فيما يمكن اعتباره "انقلابا" صريحا على الأسرة، ليتحول الصراع إلى العلن، في ظل ما يؤدى إليه مثل هذا الحديث من تداعيات كبيرة، ليس فقط من الناحية الأخلاقية، وإنما على العلاقة بين بريطانيا ومحيطيها الدولى والإقليمى، في المرحلة الراهنة.
فعندما أعلن هارى الانسحاب من الأسرة المالكة، فيما يمكننا تسميته بـ"هاريكست"، استجابة لضغوط ميجان، ربما كان البعد العائلى طاغيا، على المشهد، إثر الخلافات الكبيرة بين زوجته وزوجة أخيه كيت ميدلتون، والذى خلق شقاقا بينه وبين شقيقه وليام، بسبب تفضيل الملكة إليزابيث لكيت، من جانب، بالإضافة إلى إحياء حالة الاحتقان القديمة لدى هارى، على خلفية الأحداث المأساوية التي شهدتها أمه ديانا، داخل القصر الملكى، منذ ثلاثة عقود من الزمن، والتي انتهت بمصرعها في حادث سير، أثار العديد من الشبهات والتساؤلات، حول ما إذا كان الحادث قدريا أم مدبرا، من جانب أخر.
إلا أن توقيت التصعيد، عبر اتهامات العنصرية للأسرة المالكة في لندن، يحمل في طياته قدرا من الانتهازية، عبر الاستقواء بأطراف أخرى، لا تقتصر في نطاقها على كسب التعاطف المجتمعى، سواء في الداخل البريطاني، في مختلف مناطق العالم، وإنما أيضا يحمل في طياته جانبا مرتبطا إلى حد كبير بالمستجدات الدولية، على الساحة العالمية، وذلك بالرغم من انفصال القصر عن السياسة، ربما أبرزها صعود جو بايدن إلى البيت الأبيض في الولايات المتحدة، والذى يحمل على عاتقه القضايا الحقوقية، لإحياء المبادئ الأمريكية، التي تجاهلها سلفه دونالد ترامب، والذى اتسم بعلاقاته الودية مع لندن، إثر الانفصال عن الاتحاد الأوروبى.
على الجانب الأخر، تتزامن التصريحات مع حالة أشبه بالانعزال تعانيها بريطانيا، تجاه محيطها الأوروبى، إثر الخروج من الاتحاد الأوروبى "بريكست"، وهو ما يساهم في ممارسة ضغوط أكبر عليها، وهو ما يسبب حرجا للملكة سواء أمام العالم، أو في العلاقة مع الحكومة البريطانية نفسها، ناهيك عن تشويه صورتها أمام المجتمع.
خلفيات ميجان، سواء كناشطة نسوية، أو كفتاة متمردة، لديها صراعات أسرية عميقة مع عائلتها في الولايات المتحدة، تجلت بوضوح منذ اليوم الأول لزواجها، بالامتناع عن دعوة والدها لحفل زفافها، ثم بعد ذلك عبر التلاسن على أختها، عبر الإعلام، ربما ساهمت في نجاحها في تصدير حالة الصراع داخل القصر، أو على الأقل تأجيجه، بعدما خفت أو توارى، بفعل الزمن ومرور السنوات منذ رحيل الأميرة ديانا، والتي تسعى إلى محاولة استنساخها من جديد، بعدما فشلت في الفوز بمقعد متقدم داخل القصر الملكى.
ولكن يبقى استنساخ ديانا، والتي تلقب بـ"أميرة القلوب"، مستحيلا، خاصة وأنها عانت من خيانة زوجها، الأمير تشارلز، بينما كان انفصالها أحاديا، بعيدا عن تأليب الأسرة على بعضها، مما أكسبها تعاطفا كبيرا حتى بعد خروجها من القصر، وفقدانها للقب "أميرة"، حيث لم تتجه إلى التشويه أو الإساءة، في حين كانت خلفية ميجان كـ"ناشطة" سببا رئيسيا في حالة التشكك الكبير من جانب البريطانيين في تصريحاتها، وهو ما كشفته الاستطلاعات، والتي أكدت أن معظم البريطانيين لا يميلون لتصديقها، فيما يتعلق باتهاماتها للعائلة بالعنصرية تجاه ابنها.
ديانا لم تكن ذات خلفية سياسية، ولم تكن ناشطة، فنالت ثقة البريطانيين، وكسبت قلوبهم، فكانت أنشطتها بعيدة تماما عن "الشو" وخالية من الأهداف السياسية، بينما يبقى تاريخ ميجان، والذى حمل مزيجا من التمرد والثورية، عائقا مهما أمام وصولها لنفس المكانة التي حظت بها، ومازالت، "أميرة القلوب"، وهو يبدو في تراجع الثقة بها، بعد الحوار الأخير.