نقرأ ونسمع كثيرًا عن مذبحة القلعة التى وقعت فى عام 1811 والتى أقامها محمد على باشا فى القلعة، لكن الكثيرين لا يعرفون شيئا عن مذبحة أخرى سبقتها فى عام 1801 ، كان ضحيتها المماليك أيضا.
ويشير كتاب "تراث مصرى" لـ أيمن عثمان، فيقول بعد انسحاب الفرنسيين من مصر، خلت البلاد من إدارة رسمية تتولى شئونها، وبدأ فى الأفق صراع بين جبهتى المماليك والعثمانيين على حكم مصر، جبهة المماليك متمثلة فى محمد بك الألفى وعثمان بك البرديسى، ويدعمهما عدد من أعيان المماليك على رأسهم إبراهيم كتخدا السنارى وعثمان بك المرادى، وجبهة العثمانيين يمثلها يوسف باشا الصدر الأعظم، وخسرو باشا وحسين باشا قبودان قائد الأسطول العثمانى فى أبى قير.
سيطرت جبهة المماليك على صعيد مصر، وسيطرت جبهة العثمانيين على القاهرة والإسكندرية، وللسيطرة على البلاد كاملة سعى يوسف باشا إلى الحصول على فرمان عثمانى بتولى خسرو باشا حكم مصر، وأن يكون واليًا عثمانيًا عليها، وحصل له ما أراد، ووصل الفرمان العثمانى الذى يولى خسرو الحكم، والمماليك كانوا ومازالوا العقبة الوحيدة على انفراد العثمانيين بالحكم، فخطط ودبر ونفذ يوسف باشا بمساعدة خسرو باشا وحسين باشا مذبحة المماليك الأولى، قبل مذبحة القلعة، والتى كانت تهدف إلى إبادة البقية الباقية من أعيان المماليك فى مصر.
حكى جورجى زيدان فى كتابه "مصر الحديثة" عن المذبحة أن القائدين العثمانيين دبرا مكيدة تنهى على من بقى من المماليك فبعث قبطان باشا إلى بعض أمراء المماليك يدعوهم إلى وليمة قال إنه أعدها فى معسكره بأبى قير، وأن غرضه من ذلك الاجتماع المفاوضة معهم على كيفية إصلاح شئون البلاد، وإشراكهم فيه، ولما وصل المماليك الضيوف إلى أبى قير، رحب بهم حسين باشا ودعاهم إلى النزول معه فى قاربه الخاص، ليذهبوا جميعًا إلى الجنرال الإنجليزى على إحدى السفن للمفاوضة معه فى بعض الشئون، فركبوا حتى صاروا على مسافة بعيدة من الشاطئ، فالتقوا بقارب آت من جهة السفن، قال من فى القارب أن لديه مراسلات باسم القبطان باشا، وفجأة قفز القبطان حسين باشا من قاربه الخاص إلى القارب الآخر، وأمر قائده أن يسير بسرعة، وبقى المماليك وحدهم فى قارب القبضان، فأحسوا بالقلق وخافوا، ثم سمعوا إطلاق المدافع عليهم من قارب العثمانيين، فتأكدوا أنها مكيدة وحاولوا الرجوع إلى الشاطئ، ولكن قتل منهم كثيرون بينهم عثمان بك المرادى الكبير، وعثمان بك الأشقر، ومراد بك الصغير، وعلى بك الأيوبي، ومحمد بك الحسينى، وإبراهيم بك كتخدا السناري".
ولهذه المذبحة رواية أخرى عند الجبرتي، تفاصيلها مختلفة "وفيه ٢٨ أكتوبر ١٨٠١، وردت الأخبار بأن حسين باشا القبطان لم يزل يتحايل وينصب الفخاخ للأمراء الذين عنده، وهم محترزون منه، وخائفون من الوقوع بحباله، فكانوا لا يأتون إليه إلا وهم متسلحون ومحترزون، وهو يلاطفهم ويبش - يبتسم- فى وجوههم، إلى أن كان اليوم الموعود به، عزم عليهم فى الغليون الكبير "السفينة" الذى يقال له "أزج عنبرلي"، فلم يجدوا القبودان، أحسوا بالشر، وقيل إنه كان بصحبتهم، فحضر إليه رسول وأخبره أنه حضر معه ثلاثة من السعاة بمكاتبة، فقدم ليرى تلك المراسلة، فما هو إلا أن حضر إليهم بعض الأمراء، وأعلمهم أنه ورد خط شريف باستدعائهم إلى حضرة مولانا السلطان، وأمرهم بنزع السلاح، فأبوا، ونهض محمد بك المنفوخ وسل سيفه وضرب ذلك الكبير فقتله، فما وسع البقية إلا أنهم فعلوا كفعله وقاتلوا من بالغليون من العساكر، وقصدوا الفرار، فقتل عثمان بك المرادى الكبير وعثمان بك الأشقر ومراد بك الصغير وعلى بك أيوب ومحمد بك المنفوخ ومحمد بك الحسينى وابراهيم كتخدا السنارى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة