رصدت دراسة حديثة للمركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية التداعيات الجنائية لجائحة كورونا تحت عنوان "الجريمة فى زمن كورونا"، وأشارت الدراسة الى أن معظم دول العالم عرفت فيروس كورونا وتداعياته المحيرة والمستمرة، ونال من مختلف المناحي وتناولته العديد من التحليلات؛ إلا أنه لم يتم بيان الموقف بالنسبة للجرائم والعقوبات بصورة جلية، حتى في مراكز البحوث والهيئات المعنية، التي تأثرت بالجائحة بطريق أو بآخر.
تأثير الجائحة على أنماط الجرائم ومعدلاتها
خلفت الجائحة تداعيات طالت مختلف قارات العالم ونالت من الثمانية مليارات سكان الكرة الأرضية بطريق أو بآخر، سواء عن طريق إصابة أو وفاة أو آثار نفسية أو صحية أو اقتصادية أو اجتماعية أو آثار أخرى أنهكت المجتمع الدولي بأسره، ولا يبدو لها نهاية في القريب، حيث قدرها البعض بأربع سنوات، وآخرون لعقود قادمة. لكن المؤكد أنها تركت آثارًا كارثية، سواء على المدى القريب أو البعيد، العاجل والآجل. ومن المؤشرات يمكن التنبؤ بأن بعض العوامل أو كلها ستؤدي في النهاية إلى الحد أو القضاء على الجائحة، وهي توفير اللقاحات أو العلاج وبذل الجهود النافعة في هذا الأمر أو التحور، حيث يؤدي انتشار الفيروسات وانتقالها لعدد كبير من الأفراد إلى تحورها لنسخة أضعف تستطيع إصابة الكثير من الناس دون أن تقتلهم، وأخيرًا الوقاية واتخاذ الإجراءات الوقائية للحد من انتشار الجائحة. لكن الواضح أن (كوفيد-19) ليس له نموذج أو كتالوج يمكن اتباع نهج معين إزاء مواجهته سوى التجريب والمحاولة إلى أن يقضي الله أمرًا مفعولًا.
وقد أدى انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) إلى التأثير على سلوك البشر الاجتماعي، وانتشر العمل والتعليم عن بعد، وعقد المؤتمرات أونلاين” في كافة دول العالم، وتراجعت الجرائم التقليدية وخاصة جرائم النفس والقتل والسرقة في بعض الدول إلى 50%، بينما ازداد الاحتيال الإلكتروني وجرائم الإنترنت والجريمة الإلكترونية والسيبرانية. ويحاول المجرمون البحث عن طرق جديدة للاستفادة من الأزمة، وخاصة المتعلقة بالمواد والمستلزمات الطبية والصحية والتي زادت بطريقة ملحوظة ومذهلة.
وفي تحليل آخر، جاء أن الإجراءات الاستثنائية والاحترازية التي قامت بها الدول في أعقاب تفشي كورونا ساهمت في تراجع الجرائم التقليدية وفقًا لبعض الدراسات، إلا أن الجريمة المنظمة استطاعت أن تُبدي قدرًا من التكيف مع هذه المتغيرات واستغلال الأزمة وتوظيفها لتحقيق أهدافها والاستمرار في سلوكها الإجرامي. ولقد تغيرت أساليب وطرق ارتكاب الجرائم (كمًا ونوعًا)، وعقوباتها، حيث جرمت أفعال لم تكن مجرمة من قبل (الترهيب أو نشر المرض عمدًا، “تعريض الغير للخطر” أو غيرها)، وظهرت أنماط جديدة في اتجاه الجرائم المتعلقة بالصحة بما يقتضي قيام الفقهاء والعلماء والأجهزة المعنية والتشريعية بالبحث عن الوضع القانوني لها. ويقينًا سيتغير العالم بعد كورونا على كافة المناحي، ومنها ما يتعلق بالجريمة والعقاب في ظل الجائحة غير المسبوقة في التاريخ، والتي مضى عليها أكثر من عام، وستشغل العالم لفترة طويلة قادمة.
وبالتالي فقد تغير نوع وأسلوب ونمط الجريمة بعد أن كانت “تقليدية” أو “مستحدثة”، كل منها بمفرداتها واتجهت الجريمة إلى منحى جديد. وإضافةً إلى تزايد الجرائم المتعلقة بالأدوية والمواد الطبية المختلفة والمستلزمات، فقد تصاعدت الجرائم الناشئة عن كورونا، مثل: الترهيب، نشر العدوى عمدًا، الاحتيال. وفي هذا نرى خلو القوانين من تنظيم هذه الجرائم التي يترتب عليها المساس بالمجني عليهم، وبما يشكل جريمة القتل أو الشروع فيه وليس إعطاء المواد الضارة كما قرر البعض، ذلك أنها من “جرائم الخطر”، إضافة إلى زيادة الجرائم السيبرانية بشكل ملحوظ، في الوقت الذي انخفضت فيه الجرائم التقليدية الأخرى بسبب دواعي الحظر والعزل واتساع الأساليب الاحترازية العديدة والبقاء بالمنازل حتى صار العمل عن بُعد هو السائد في دول العالم، وتعمل كافة الدول بنصف أو أقل من قدرتها على العمل.
ومن ناحية أخرى، اتجه الناس إلى التكالب على شراء السلع المختلفة مما يؤدي إلى الخلل بالأسواق والبيع بأزيد من الأسعار، وبما ينذر بوقوع الفوضى. وهناك تهديد للأمن القومي، لذا لجأت العديد من الدول إلى القوات المسلحة والجيوش لمواجهة الموقف المعقد، إضافة إلى قوات الشرطة التي تجابه المشكلة وتتصدى للجرائم وما أفرزه الواقع حتى استعانت بالتقنيات الحديثة في مواجهة المشكلة ومكافحة الجريمة واكتشاف الأوبئة عن طريق مراقبة تحركات المواطنين وتتبع الهواتف والطائرات المُسيرة لرصد مخالفات الحظر، واستخدام تقنية التعرف على الوجوه لكشف المرضى، وذلك في مخالفة لمبادئ حقوق الإنسان.
وتشير التقارير الدولية إلى انخفاض مستويات الجريمة بنسبة كبيرة في مختلف دول العالم، خاصةً جرائم المرور وحوادث الطرق والنشل والسرقة والاغتصاب والقتل، وأرجع البعض ذلك لتواجد المواطنين في مساكنهم والشرطة في الشوارع، وزيادة جرائم العنف المنزلي والتعدي والسلوك العدواني بالمنازل وجرائم تجارة السلع والقضايا التموينية والمستلزمات الطبية والأدوية المزيفة، والاعتداء على الأطقم الطبية، والمخالفات المتعلقة بالشعائر الدينية والجرائم السيبرانية. إضافة إلى تنامي عمليات الإرهاب، وإن كانت بعض الجماعات الإرهابية قد أرجأت أنشطتها خوفًا من العدوى، ثم قامت بالعديد من الأعمال فيما بعد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة