فجأة ودون أي مقدمات، طفت صفحة على سطح المشهد السياسى التونسى، تحمل عنوان "الغرفة المظلمة" على مواقع التواصل الاجتماعي، تنشر تسريبات صوتية، ومحادثات بين مجموعات من الشخصيات العامة وقوى سياسية، أثارت حالة من الجدل، ودفعت عدد كبير من نواب البرلمان اللجوء إلى التراشق بالتهم والألفاظ، وهو ما دفع المراقبين لانتقاد تدني مستوى الخطاب في البرلمان وداخل المشهد السياسى التونسى، فيما أكد باحثون في شئون الحركات والتيارات الإسلامية أن أسلوب التسريبات هو طريقة إخوانية ابتكرتها اللجان الالكترونية لحركة النهضة لغسل سمعة راشد الغنوشى ومحاولة جديدة لتغطية على جمع توقعات لسحب الثقة من راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة.
تسريبات الغرف المظلمة
بعد ظهور صفحة "الغرف المظلمة" في تونس بـ48 ساعة نشرت تسجيلا صوتيا لرئيس الكتلة الديمقراطية والقيادي في حزب التيار الديمقراطي، محمد عمار، يؤكد فيها تدخل مؤسس الحزب ووزير مكافحة الفساد السابق، محمد عبو في القضاء، مشيرا إلى أن عبو هو من يقف وراء محاسبة القاضيين الطيب راشد والبشير العكرمي، كما تحدث عما يسمى تدخل الجهات التنفيذية في القضاء التونسى.
وبعد ساعات نشرت الصفحة أيضا تسجيلا آخر لمحمد عمار توقّع فيه تفكك حزب قلب تونس خلال أشهر، كما لمّح إلى وجود علاقة لحزبه ومستشارة الرئيس التونسى، نادية عكاشة بالقاضي محمد كمون الذي أصدر بطاقة إيداع بالسجن في حق نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس، والذي توقع أن يصدر بحقه حكم بالسجن لخمس سنوات، ملمحا إلى وجود "ابتزاز" لنواب حزب قلب تونس كي يوقّعوا على لائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان، راشد الغنوشي.
الذباب الالكتروني للإخوان.. المستفيد الأول
بالمتابعة لما نشرته صفحة "الغرف المظلمة" يتبين أنها تخدم حركة النهضة – إخوان تونس- وزعيمها راشد الغنوشى، كما أنها تزعم هذه الصفحة وجود مؤامرة تحاك ضد مرشد الإخوان في تونس، وفقا لما أكده طارق البشبيشى الباحث في شئون الحركات والتيارات الإسلامية.
وتابع: "لكي تفسر أي حدث سياسي وتبحث عن من وراءه فعليك أولا البحث عن المستفيد منه، فمع انتشار ما يعرف بالغرف المظلمة في المشهد السياسي التونسي فبسهولة سنكتشف ان من يقف وراء هذا الامر هو تنظيم الإخوان الإرهابي بتونس، لأنهم هم الوحيدون المستفيدون من تسريبات خصومهم السياسيين، فمن ناحية يتم تخفيف الضغط السياسي الكبير الواقع علي عاتقهم الآن ومن ناحية أخري يجبرون خصومهم علي رد الفعل والدفاع عن أنفسهم، وهذا أسلوبهم المعروف و الذي استعملوه في مصر قبل و بعد ثورة 30 يونيو المجيدة وكلنا نتذكر تلك التسريبات".
وقال: "المليشيات و الكتائب الالكترونية اختراع اخواني يتم الانفاق بسخاء عليه لأنه احد حروب الجيل الرابع، ويحتاج التنظيم الإخواني في بعض الدول التي مازال متواجدا فيها وخلفه دول معادية للعرب تدعمه و تنفق عليه".
وبسؤاله عن مصير إخوان تونس، قال:"لن يكون أفضل حالا من مصيره في معظم البلدان العربية التي تخلصت منه كي تبدأ في اصلاح ما خربته هذه الجماعة اللعينة" مضيفا :" تونس تمر بمنعطف يشبه المنعطف المصري، قبل ثورة 30 يونيو.. و طريق النجاة رسمته مصر وعلي الأشقاء العرب وحتي غير العرب أن يتعلموا الدرس من مصر".
حسابات مزيفة لحماية "إخوان تونس" من السقوط
واتفق مع الراي السابق منير أديب، الخبير في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي قائلا إن:"اللجان الإلكترونية للإخوان تستخدم وسائل غير مشروعة دائمًا في ضرب خصومها، بدءًا من محاولة اغتيالهم معنويًا عن طريق تقمص شخصية المعارضين للتنظيم، حتى إذا ما فهم النّاس ذلك، قاموا بعمل الدعاية للتنظيم من خلال حسابات "مزيفة"، وهذه صوره من صور الدعاية المشهورة عن الإخوان في مصر وغيرها من الأقطار الأخرى".
وأضاف، أن الجماعة استخدمت هذه الطريقة بعد العام 2013 من خلال عشرات الألاف من الحسابات "المزيفة" التي يدخل أصحابها المجموعات على بعض مواقع التواصل الاجتماعي وحسابات بعض النخب والمثقفين التي يتابعها عشرات الألوف، للدفاع عن التنظيم وقرارته ثم يُعلق صاحب الحساب "المزيف" أو عضو اللجان الإلكترونية "المكلف" بقوله: أنا لست من الإخوان ولكن هذا لا يمنعني من الدفاع عن الحق!!
ولفت أديب، إلى أن هذه النوعية من الحسابات "المزيفة" دائمًا تظهر وقت أزمات الإخوان، فكما ظهرت في مصر عقب ثورة عام 2013، فإنها تبدو جلية الآن في تونس، خاصة وأن حركة النهضة "الإخوانية" تعتريها بعض المشاكل والإخفاقات التي قد تودي بها خارج المشهد على غرار ما حدث لقيادة التنظيم في مصر.
وأكد، أن الشعب التونسي شعب واعي ومثقف ولديه قدر عالٍ من بالخبرة بالشكل الذي يمكنه من فهم هذه الدعوات وعدم التأثر بها، معلقًا، بأن أي إنسان محدود الذكاء يمكن فهم طريقة الإخوان التي لم تتغير منذ النشأة الأولى للتنظيم والتي كان يستخدمها المؤسس الأول حسن البنا، الذي تعمد إخفاء الصفة التنظيمية لبعض المنتمين بغرض الدفاع عن التنظيم وحتى يكون لدفاعه أثر، وهذه صورة من صور التزييف.
وضرب مثالًا بتجنيد المؤسس الأول حسن البنا للقاضي حسن الهضيبي بمحكمة النفض، والذي تولى فيما بعد منصب المرشد الثاني، حيث طلب المؤسس ممن خلفه فيما بعد بألا يُفصح عن انتماءه حتى يعطيه مساحة أكبر في تبرئة الإخوان في القضايا المرفوعة أمام المحكمة التي كان يعمل فيها "الهضيبي" قاضيًا.
وختم الخبير في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، حديثه بالقول: ما تفعله اللجان الإلكترونية للإخوان داخل مصر وخارجها أصبح معدومي التأثير، فبعد وصول التنظيم للحكم في مصر وعدد من الدول مثل تونس، فقد أصبح النّاس أكثر وعيّا وإدراكًا بتحركات التنظيم المريبة لتزييف الحقائق وتشويه الواقع ونقل صورة غير واقعية لما يجب أن تكون عليه الأشياء
الإخوان غير مؤتمنين على مستقبل تونس
وفي تدوينة نشرتها عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مرفوقة بصور من اجتماعها خلال نهاية الاسبوع بولاية صفاقس قالت رئيسة الحزب الدستوري عبير موسي، "بينما يتناحر أصدقاء الأمس ويتبادلون التهم ويثبتون بما لا يدع مجالا للشك بأنهم غير مؤتمنين على مستقبل تونس وشعبها ، نواصل العمل والمثابرة وترتيب البيت والتواصل المباشر مع قواعدنا" مضيفة:"12 ساعة من الاجتماعات لشحذ الهمم وتجديد العهد مع هياكلنا في صفاقس".
وجاءت تدوينه عبير موسى على خلفية الجدل القائم بين قيادات حركة النهضة و ائتلاف الكرامة مع قيادات حزب التيار الديمقراطي بعد تسريبات نشرتها صفحة الغرفة المظلمة.