قال مرصد الأزهر، إن أسباب انضمام الشباب والفتيات إلى تنظيم داعش الإرهابي، قد حاز على اهتمام العديد من الباحثين والمراكز البحثية حول العالم. وتم تناول هذا الموضوع بالعديد من الطرق. وخلصت هذه المراكز من خلال أبحاثها ودراساتها إلى العديد من النتائج التي تلخص أسباب انضمام الشباب والفتيات إلى هذا التنظيم. ولعل أهم سبب يجعل الشبابَ ينضمون إليه أو أكثر الأسباب اتفاقًا عليه، هو قوة آلته الإعلامية، والذي استطاع من خلالها أن يستقطب عددًا كبيرًا من الشباب والفتيات من أكثر من 100 دولة، حيث إنه من المعروف أن عملية الاستقطاب في حدِّ ذاتها سواء للرجال أو النساء عملية معقدة ومتشابكة، تتداخل فيها العديد من الأبعاد الاقتصادية والدينية والسيكولوجية... فالبُعد الديني يتمثل في أغلب الأحيان في عدم وعي الشاب أو الفتاة بالتعاليم الدينية؛ وذلك غالبًا ما يكون بسبب حداثة العهد بالدِّين أو بالتدين، والذي يُعدُّ من أهم ملامح الشخصية التي يسهُل استقطابها، خصوصًا من تنظيم مثل داعش، يجيد استخدام الإنترنت والمؤثرات الصوتية والمرئية، التي تسهل عليه استقطاب محدودي الثقافة الدينية.
ولخص مرصد الأزهر أسباب استقطاب تنظيم داعش للنساء في "فكرة الدولة" المزعومة التي كان يريد تأسيسها. فالتنظيم يحتاج إلى النساء كحاجته إلى الرجال. يحتاج زوجات وأمهات ينجبن أطفالًا، يمثلون ضامنًا لبقاء فكره المتطرف. من أجل ذلك حرص التنظيم على استقطاب المرأة، ونسج الخطط والحيل لذلك، ودعا جهازه الإعلامي النساء من أجل المشاركة في تأسيس الدولة المزعومة، والوقوف إلى جانب الرجل في القتال، الأمر الذي دفع بعض المراكز البحثية المتخصصة في دراسة التنظيمات المتطرفة إلى استخدام مصطلح "تأنيث القتال".
وتابع المرصد في تقريره، أن أهم أسباب حرص تنظيم داعش الإرهابي على استقطاب النساء هو استخدامه لهنَّ في بعض الوظائف مثل التمريض، والتدريس، وأعمال الطهي، والشرطة النسائية التي تراقب النساء، ومدى انتمائهن للتنظيم، وتسهم في تجنيد نساء أخريات من خلال وسائل التواصل، والربط بين العضوات الجديدات والقيادات، إضافةً إلى إقناع النساء المحليات بالانضمام والزواج من عناصر التنظيم.
أما عن ملامح الخطاب الإعلامي والإفتائي الذي يقدمه تنظيم داعش الإرهابي للمرأة فقال المرصد، إن تنظيم داعش الإرهابي يُقدِّم للنساء خطابًا إعلاميًا يتناسب مع السمات الشخصية لكل امرأة يريد استقطابها، فالمرأة المُحبة للقيادة تستقطبها خلايا التنظيم عن طريق المدح والإطراء والثناء على آرائها، ومحاولة إقناعها بأن شخصيتها تصلح لقيادة شخصيات ضعيفات في دولته المزعومة. من جهة أخرى يحفز التنظيم المرأة ذات الشخصية المتمردة على الانضمام إليه واصفًا هذا بالمغامرة البعيدة عن عادات مجتمعها وتقاليده.
أما المرأة ذات الشخصية المسالمة فتلعب خلايا التنظيم على مخاطبة عاطفتها، وتظهر لها اهتمامًا بالقضايا التي تهتم بها، وتصل معها إلى أدق تفاصيل حياتها حتى تكسب ثقتها تمامًا، وهنا يسهل استقطابها. هذا بالنسبة للخطاب الاستقطابي الذي يوجهه التنظيم للنساء اللائي لم ينضممن إليه. أما خطاب التنظيم لأعضائه من النساء فهو خطاب استعلائي، من يتأمله يجده مُفعمًا بالتعليمات والأوامر والتهديد والتخويف.
وبالنسبة لخطاب التنظيم الإفتائي الخاص بخروج المرأة للقتال، فيختلف أيضًا وفقًا لحالة التنظيم قوة وضعفًا. فمن المشهود له أن تنظيم داعش الإرهابي يدور في حلقةٍ دائمة الدوران تبدأ بـ "مرحلة التكوين" ثم "مرحلة التمهيد للظهور" ثم "مرحلة القوة" التي يطلق عليه التنظيم "مرحلة التمكين"، ثم "مرحلة الضعف" وأخيرًا "مرحلة الانهيار" التي يعقبها الانزواء لفترة من الوقت، ثم العودة مرة أخرى من حيث البداية الأولى.
ففي الفترة بين عامَي 2009 و2012، تعرض التنظيم لهزيمة ثقيلة أضعفته، وقُتل عدد من قادته التاريخيين، فانكفأ على نفسه فترة، وتولى قيادته "أبو بكر البغدادي" الذي أعاد هيكلة "داعش" على قواعد مؤسسية أشبه بمؤسسات الدول. وفي غضون فترة بسيطة استطاع التنظيم لملمة قواته، ومهَّد لظهوره عن طريق تقديم نفسه مدافعًا عن السنة في العراق، مستفيدًا من الأوضاع السياسية التي كانت موجودة في البلاد آنذاك. وعاد التنظيم أشد قوة في أبريل 2013 باسمه الحالي، وأعلن "البغدادي" خلافته المزعومة. ولذلك يُمكن اعتبار الفترة ما بين عامي 2009، 2012 مرحلتي التكوين والظهور.
أما مرحلة التمكين فتعتبر عامي 2014، 2015، التي بلغ التنظيم فيها أوج قوته، واستولى على مساحاتٍ شاسعة من الأراضي، وقامت عدة مجموعات إرهابية بمبايعة "البغدادي".
وفي عام 2016 بدأت مرحلة الانهيار بتحرير مدينة "الفلوجة"، وحينها تحدث المتحدث الإعلامي للتنظيم عن ضرورة العودة والبداية من جديد من حيث بدأوا قديمًا، وكأنَّه يشير إلى دورة ثابتة يمر بها التنظيم كل 4 سنوات، يبدأ بالتكوين ثم التمهيد ثم التمكين، وعندما ينهزمون يعودون من مرحلة التمكين إلى مرحلة التكوين مرة أخرى.
والخطاب الإفتائي الخاص بكل مرحلة مختلف عن المرحلة الأخرى، ففي مرحلة القوة أفتى التنظيم بعدم جواز خروج المرأة لسوق العمل باعتبارها مدعاة للفتنة، مؤكدًا أن واجبهن الأول هو شحذ همم الرجال للقتال والثبات في ساحة المعركة. وفي هذه المرحلة أيضًا كان هناك تركيز في الخطاب الإفتائي للتنظيم على الأسيرات، وإلصاق صفة "الإماء" بهن، والتركيز على التعامل الجنسي معهن، ووضع قواعد لذلك.
ويدعوا مرصد الأزهر إلى ضرورة تفكيك الخطاب الإعلامي لأيِّ تنظيم إرهابي أمر مهم ينبغي أن ينال حقه من البحث حتى نستطيع أن نعري هذه التنظيمات ونظهر ضلال دعايتها ورفع الوعي الديني لدى الشباب والفتيات، وإقناعهم بأن الثقافة الدينية يجب أن تستند إلى سعة أفقٍ، ونظرة متعمقة، أمور مهمة تحفظ الشباب والفتيات من مخاطر الاستقطاب.
كما يؤكد المرصد على أهمية العمل على تنمية مهارة التفكير النقدي لدى الشباب والفتيات، وتعريفهم قيمة العقل وأهميته، وتحذيرهم من أن يقبلوا شيئًا أو يرفضوه دون إعمال العقل وإمعان النظر، فالعقل هو جوهر الإنسان. والاهتمام بشيء من الرقابة المتوازنة من الأسر والمدارس، تلك الرقابة التي تراقب السلوكيات، ولا تعتدي على حرية الأبناء والبنات؛ لأن الاعتداء على الحريات قد يأتي بنتائج عكسية.
بالإضافة إلى عدم ترك وسائل التواصل الاجتماعي ساحةً فارغة لجماعات العنف والتطرف، بل يجب مزاحمتهم عليها من قبل العلماء، ورجال الدِّين، والمثقفين، والشعراء، والفنانين، والرياضيين، وكل من له جمهور ومتابعون؛ لنشكل في النهاية رواية مضادة تشتبك مع الخطاب المتطرف وتفنده.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة