استعدنا الأنفاس مرة أخرى بعد النجاح في تعويم السفينة البنمية الجانحة في المجرى الملاحى لقناة السويس، EVERGIVEN ، بعد ما يقرب من أسبوع في مناورات مستمرة لقطرها والتكريك في محيطها، حتى تتمكن القناة من استعادة الحركة مرة أخرى في ظل وجود أكثر من 321 سفينة تنتظر عودة الملاحة، وقد يحتاج هذا التكدس لعدة أيام حتى تعود الأمور إلى نصابها، وثقتنا فى رجال هيئة قناة السويس كبيرة فى ضبط الأمور واستعادة السيطرة فى أقرب وقت ممكن.
العالم لم يتوقف حديثه عن قناة السويس وأهميتها لحركة التجارة العالمية، والتوكيلات الملاحية كانت تحبس أنفاسها انتظاراً لتحرك السفينة في المجرى الملاحى، في حين بدأ البعض يتحدث عن التحرك نحو طريق رأس الرجاء الصالح والدوران حول إفريقيا، وشائعات هنا وهناك، إلا أن للقضية أبعادا أخرى، فالموضوع ليس مجرد مسافات إضافية تقطعها السفن خلال رحلتها من آسيا إلى إفريقيا ثم أوروبا وأمريكا، بل إن القضية أعقد وأكبر من ذلك بكثير.
قناة السويس لا تستمد مزاياها فقط باعتبارها أقصر طريق ملاحى يربط البحرين الأحمر والمتوسط ويصل جنوب العالم بشماله، بل تكمن أهميتها الكبرى باعتبارها الأكثر أمناً في العالم، فالقناة التي يصل طولها إلى نحو 193 كيلو متر، يحمى الجيش المصرى كل شبر فيها، حيث يتم تقسيم أعمال التأمين فيها بين الجيشين الثانى والثالث الميدانيين، بالإضافة إلى القوات البحرية، ثم عمليات التمشيط والمتابعة جواً من خلال القوات الجوية، الأمر الذى يجعلها الأكثر أمناً في العالم.
لن يغامر أي توكيل ملاحى في العالم بأن يحرك سفنه في اتجاه رأس الرجاء الصالح، ليس فقط بسبب زيادة المسافة، وطول زمن الرحلة، التي بالضرورة ترتبط بحجم استهلاك الوقود، ولكن خوفاً من السير في البحار المفتوحة ومواجهة المجهول خلال الانتقال من المحيط الهندى إلى الأطلنطى، وما يكمن في تلك المنطقة من أعمال قرصنة منظمة تهدد أي سفينة تتحرك في هذا الاتجاه.
العالم يعرف ويقدر جيداً قيمة وأهمية قناة السويس، كما يعرف جيداً خطورة البدائل المتاحة دونها، فهذه القناة الاستراتيجية العملاقة لا يمكن أن يتم تصنيع سفينة في العالم إلا بعد العودة إليها، حتى تتطابق مواصفاتها مع شروط العبور فيها، سواء من حيث الحمولة أو الغاطس، فهى ليست مجرد قناة أو ممر ملاحى عالمى، بل مرجعية أيضا لصناعة السفن العملاقة حول العالم، وأساس لحركة التجارة العالمية واقتصاد نقل الحاويات والبضائع بمختلف أنواعها.
يجب أن يشعر المصريون بالفخر لوجود هذا الشريان الملاحى العبقرى، وأن نعرف مدى الخبرة والكفاءة التي يتمتع بها رجالها، والعمل الدؤوب الذى يواصلون فيه الليل بالنهار من أجل استمرار المسيرة وخدمة تجارة العالم، لذلك علينا أن نقدم لهم التحية على الجهد الكبير الذى بذلوه في أعمال تعويم السفينة البنمية الجانحة، وقد كانت قلوب المصريين معهم، ولم تتوقف الدعوات لهم حتى نجحوا في تعويم السفينة واستعادة حركة الملاحة مرة أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة