لاحظ الرئيس «السادات» غياب المذيع الشهير جلال معوض، وامتناعه عن دخول الإذاعة وتقديم احتفالات، حزنا على وفاة جمال عبدالناصر 28 سبتمبر 1970، فطلبه ليقدمه فى إحدى خطبه كما كان يفعل مع عبدالناصر، فلبى «معوض»، لكن حدث ما لم يحمد عقباه، ودفع الثمن حتى وفاته يوم 5 مارس، مثل هذا اليوم، 1997، حسب روايته هو للكاتب الصحفى كمال القاضى، بجريدة «القدس، لندن، 4 أكتوبر، 2010».
كان جلال معوض، من أهم وأشهر الأصوات الإذاعية التى سطعت فى النصف الثانى من القرن العشرين، وساهم فى نهضة الإذاعة المصرية بعد ثورة 23 يوليو 1952، فهو صاحب فكرة حفلات أضواء المدينة التى قدمت كبار المطربين فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، وحافظت على الذوق الراقى للغناء فى مصر، وارتبط صوته بجمال عبدالناصر، حيث كان يقدمه فى خطاباته، كما ارتبط بتقديمه حفلات كوكب الشرق أم كلثوم، وسفره معه لتقديمها فى الحفلات الخارجية، وأشهرها حفلتا باريس على مسرح «أولمبيا» فى نوفمبر 1967، وحدثت أزمة فى الحفلة الأولى بسبب طلب صاحب المسرح ومديره منعه من تقديم كوكب الشرق، لأنه يذكر النضال من أجل تحرير فلسطين، قائلا: «اليوم تشدو كوكب الشرق فى عاصمة النور باريس، وغدا بإذن الله تشدو فى القدس المحررة»، حسبما يذكر الكاتب محمد سلماوى فى مذكراته «يوما أوبعض يوم» وكان حاضرا فى الاتفاق على هذه الحفلات مع أم كلثوم فى القاهرة، وحضر معها فى باريس.
يؤكد «سلماوى» أن أم كلثوم ردت على صاحب المسرح بأنها هى التى قالت له ذلك، وهددت بعدم استكمال الحفل، والتفتت إلى فرقتها الموسيقية قائلة: «لموا الآلات يا ولاد»، فاضطر صاحب المسرح إلى الاستسلام.
فى الحقيقة، لم تُملِ أم كلثوم على «معوض» كلامه فى باريس، أوأى حفل آخر قدمه لها، كما لم يمل عليه صديق عمره عبدالحليم حافظ حين كان يقدمه أيضا، وإنما كان يذكر قناعاته التى عاش لها، ورأى فى «عبدالناصر» رمزها، ولهذا أصيب باكتئاب حاد بعد وفاته.
تذكر زوجته الفنانة ليلى فوزى لجريدة «البيان، الإمارات، 23 يناير، 2002»: «عندما توفى عبدالناصر كان يبكى كالأطفال، هو كان عاطفيا عندما كان يحب أحدا، يحبه بمنتهى الإخلاص، ولأن صوته قوى، وشخصيته واثقة، كان حين يتحدث عن أحد يحبه أو يحزن عليه يظهر ذلك بصوته، هو قال لى أنه لم يبك أباه عندما توفى مثلما بكى على عبدالناصر».
يذكر الكاتب الصحفى إبراهيم عبدالعزيز، فى مقاله «صوت الثورة.. رد اعتبار جلال معوض»، فى «الدستور، 27 أبريل 2018»، أن «معوض» قال له، مشترطا ألا ينشر ما يقوله، إنه أحب «عبدالناصر»، ولم يتصور يوما أن يقدم حديثا أومؤتمرا لرئيس آخر غيره، لذلك كانت صدمته فادحة وخسارته لا تعوض حين توفى رئيسه وزعيمه، وحبيبه، فانكسرت نفسه، وشعر أنه لم يعد قادرا على تقديم الرئيس الجديد بحكم موقعه ككبير للمذيعين، رغم صداقته القديمة لـ«السادات» قبل الثورة، حيث جمعهما سجن واحد فى معتقل «قرة ميدان» لمدة 3 أشهر، إثر تمزيقه صورة الملك فاروق ثم دهسها بقدميه على مرأى ومشهد من طلبة الجامعة حين كان طالبا.
عاش جلال معوض مع أحزانه، حتى وقعت الواقعة التى رواها هو لكمال القاضى فى جريدة «القدس» قبل رحيله بخمس سنوات، يقول «القاضى»: «استدعاه السادات ليقدمه فى خطاب له، فلبى مرغما، ووقف الإذاعى الحزين أمام الميكرفون متحشرج الصوت، وقال بملء فمه حين لمح السادات يدخل قاعة الاحتفالات بمجلس الأمة «النواب» جملته الشهيرة التى جلبت له كل الويلات: «الآن يدخل القاعة الرئيس جمال عبدالناصر»، يؤكد «القاضى»: «حينئذ انقلبت الدنيا رأسا على عقب، رغم أنه تدارك الأمر سريعا، وصحح الخطأ، ولكن لم يفلح التصحيح، فعند ذهابه إلى مكتبه أخبروه أنه فى إجازة مفتوحة».
فى رواية ثانية لإبراهيم عبدالعزيز، يذكرها الإذاعى فهمى عمر، أن بعض النفوس الضعيفة أوغروا صدور بعض المسؤولين، وقالوا عن «جلال» كلاما عجيبا فى التحقيقات حول أحداث «15 مايو 1971» أو «ثورة التصحيح» كما أطلق عليها السادات، أدت إلى إحالته إلى المعاش، وعمره 41 عاما «مواليد 1 يناير 1941».
ينقل «عبدالعزيز» عن الدكتور عبدالقادر حاتم، وزير الإعلام وقتئذ، أن أحدهم ادعى على «معوض» أنه قال فى فناء مبنى الإذاعة والتليفزيون: «الرجل الأسود لا نريده أن يحكمنا»، فأرسله الأمن إلى المدعى العام الاشتراكى الدكتور مصطفى أبوزيد، وسأله: «أنت قلت؟» فقال: «أنا قلت»، فقال له: «الاعتراف سيد الأدلة»، وتحدث المدعى الاشتراكى إلى الرئيس، فطلب «السادات» استبعاده من الإذاعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة