كانت الحملات الصليبة مصدر شر خالص على الشرق، وكانت معبرة عن مدى الظلام الذى كان يسيطر على الغرب، ومن أشهر هذه الحملات الحملة الصليبية الرابعة، ولها قصة غريبة إذ تحولت من الحرب على مصر إلى السيطرة على القسطنطينية.
والذى حدث أنه بعد الحملة الصليبية الثالثة، لم يتحمس الأوروبيون لحملة رابعة خاصة أنهم خسروا القدس للدولة الأيوبية التى فرضت نفوذها على مصر وسوريا ولم يتبق للصليبين سوى بضع مدن متفرقة تابعة لمملكة القدس ومركزها عكا.
ومع ذلك دعا البابا إنوسنتيوس الثالث فى 1202 إلى حملة صليبية رابعة، وكانت خطة الصليبيين الأولية تتلخص في دفع القوات الصليبية إلى مصر ودحر القوة الإسلامية في المنطقة ثم شن الحرب من هناك للسيطرة على القدس، وكان لجمهورية البندقية، تأثيراً كبيراً على أحداث هذه الحملة، فالبندقية كانت المنطلق البحري لتلك الحملة، ولكن الحرب ضد مصر لم تطب للبندقية، فقد كانت لها علاقات تجارية منظمة جيدا مع مصر.
أُبرم اتفاق بين البندقية والصليبيين لنقل الفرسان والجياد والمشاة وتأمين الاغذية مقابل 85 الف مارك ذهبي، وكان الدفع على أربعة اقساط على أن يدفع القسط الأخير في موعد لا يعدو أبريل 1202، وتقدم البابا عندما صادق على المعاهدة بشرط مسبق مثير للجدل، كثير الدلالة، مفاده أن الصليبيين الذاهبين على متن سفن البندقية لمحاربة "المسلمين"، "لن يرفعوا السلاح ضد المسيحيين".
يؤكد بعض المؤرخين أن الدوق إنريكو داندولو، دوق البندقية العجوز، كان قد رسم المعاهدة بشكل يتحكم بالقوات الصليبيية، فقد كان يقدّر أن الصليبيين لن يستطيعوا جمع العدد الكافي من المقاتلين وبالتالي سيقعون في أزمة مالية يكونون فيها مثقلين بالديون للبندقية، وهذا ما حصل، وتحولت الحملة الموجهة إلى مصر إلى حملة معادية للامبراطورية البيزنطية المسيحية الشرقية.
وأصبحت الحملة عبارة عن تدمير لمنافسى البندقية فى التجارة فى المتوسط، فنحو صيف 1202، أخذت تتجمع شيئا فشيئا في البندقية فصائل الصليبيين الفرنسيين والألمان والإيطاليين، ولكن عددهم لم يكف لتسديد الديون المترتبة، مما جعلهم تحت رحمة البندقيين الذين كانو يمدوهم بالطعام والسفن، ولكن في اغسطس 1202، وصل إلى البندقية القائد الاعلى للصليبيين بونيفاس دي مونفيرات، وتواطأ بونيفاس مع دوق البندقية على تحويل الهجوم، ففي 8 اكتوبر 1202، أبحر أسطول الصليبيين من البندقية واحتل زادار المجرية التي دافعت دفاعاً مستميتاً، وأصبحت زادار تحت حكم البندقية.
وفي 24 مايو 1203، غادر الاسطول كورفو التي كانت محطة له في الطريق إلى القسطنطينية.
في القسطنطينية واجه الصليبيون خصم ضعيف، فبيزنطة أرهقتها الحملات السابقة، والإتاوات والضرائب المتزايدة وتناقص واردات الدولة، فوصلوا إلى شواطئها في 23 يونيو، وبدأت العمليات العسكرية في 5 يوليو 1203، ففر امبراطور بيزنطة ألكسيوس الثالث، وعملياً، استسلمت القسطنطينية البالغ تعداد سكانها زهاء 100 ألف في 17 يوليو 1203.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة