بمبنى بالطوب اللبن بقرية طماى الزهايرة التابعة لمركز السنبلاوين بالدقهلية، ولدت سيدة الغناء العربي كوكب الشرق أم كلثوم إبراهيم السيد البلتاجي، صوتها وسيرتها الفنية وتاريخها في الغناء ترك بصمة خاصة فى مجال الطرب الأصيل، وأصبحت أيقونة يستلهم منها صانعوا الفن على مستوى العالم العربى، ورغم رحيلها عن عالمنا في 3 فبراير 1975 إلا أن صوتها ما زال يملأ الدنيا ومواقفها الإنسانية والوطنية حديث كل من عشقها.
"اليوم السابع" استمع لقصة كفاح عاشتها بنت قرية طماى الزهايرة أم كلثوم، من أحفادها وصديقتها التى عاشت بمنزلها طوال 12 عاما، ليحكوا لنا عن مواقف وأحداث صعبة مرت بها خلال سنوات عمرها منذ أن كانت طفلة صغيرة تغنى الابتهالات الدينية بليالي مدح الرسول، إلى أن أصبحت تملأ الدنيا شرقا وغربا بصوتها وتقف بأكبر المسارح فى العالم العربي وباريس.
أم كلثوم فى سن صغير
قال سمير عدلي، حفيد شقيق كوكب الشرق أم كلثوم، إن والدها الشيخ إبراهيم سماها على اسم بنت الرسول بعد رؤيته للسيدة أم كلثوم ، وليست فاطمة كما يدعى البعض، وكان والداها يعمل بالأوقاف، ودخله لا يتجاوز الـ عشرة قروش، والمعيشة كانت تتطلب خروجه للعمل وبعض أفراد الأسرة حتى يكسب نقودا تساعده على تحمل أعباء الحياة، ليعمل منشدا للابتهالات الدينية في الاحتفالات، وكانت أم كلثوم رغم صغر سنها موهوبة وتحفظ المدح أسرع من جدها الشيخ خالد، مما دفع والداها بالسماح لها بالذهاب معهم، وهي ترتدي ملابس الذكور، لتذهب فى بعض الأوقات مشيا على قدميها لمسافة 3 كيلو، مما يدفعها لطلب حملها مستغلة حب الأطفال معها لـ" لعبة كرسي السلطان"، ليشبك ممن معها يديهم لتجلس هي حتى ترتاح من عناء الطريق.
منزل أم كلثوم بقرية طماي الزهايره
وتابع حفيد شقيق كوكب الشرق أم كلثوم: "كما كانت تعمل مع بعض أطفال القرية فى تنقية القطن، وكان والداها يذهبان لها بشكل دائم هناك بالطعام، مما دفع صاحب الأرض -الخواجة- بإهانته وهو ما استنكرته أم كلثوم حتى أنها عندما اشتهرت ذهبت لصاحب الأرض المقدرة بـ 150 فدانا وقامت بشرائها وإهدائها لولداها بعد أن اقترضت 1000 جنيه من طلعت حرب، وسبب انطلاقتها كانت عندما رآها الشيخ أبو العلا محمد وتبناها وبدأت مشوارها الفنى في القاهرة، لتبدأ مسيرتها المهنية وتتعرف على الملحنين زكريا أحمد ومحمد القصبجي والشاعر أحمد رامي.
أم كلثوم برفقة محمد عبد الوهاب
وتابع عدلى: "جدي الشيخ خالد، شقيق أم كلثوم، كان قريبا منها، ويوم وفاته أم كلثوم بكت وحزنت كثيرا، وقامت بعمل أغنيه له، كلمات كانت تقول (حطيت على القلب إيدي وأنا بودع وحــيدي وأقول يا عين اسعفيني وابكي وبالدمـــــع جودي)، وفاة والداها أيضا بالسرطان أثر عليها بشكل كبير، ومن أقرب الناس التى كانت تستمع إلى نصايحهم الشيخ أبو العلا محمد والشيخ زكريا أحمد، بخلاف أن أفراد فرقتها لا يمتلكون نوتة، وكانت تقول لهم مينفعش تشتغل وتبدع وأنت بتقرأ من الورق ومش حافظ".
وأكمل حفيد شقيق أم كلثوم: "كل اللى اشتغلوا معاها حبوها، أحمد رامي والقصبجي، واتمنوا يتجوزها، وتزوجت بسن كبير كان عمرها 55 سنة من طبيبها الدكتور حسن الحفناوي، أما عن علاقتها بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر فكانت علاقة متينة كونها كانت ترى أنه كان يريد أن يرفع من شأن الفقراء، وينشئ عدالة اجتماعيه، مما دفعها للوقوف بجواره ومناصرته بأغانيها".
وأضاف: "وفاة أم كلثوم كانت بعد فترة من مرضها بالتهاب بالكلي، وبعد 3 أيام من مكوثها بمستشفى كوبري القبة، والجنازة الخاصة بها كانت من أكبر الجنازات التى خرجت من القاهرة، كانت جنازة شعبية مثل جنازة عبد الناصر وشاه إيران وعبد الحليم، والمقبرة الخاصة بأم كلثوم فى البساتين موجودة وسجل الزيارات موجود حتى الآن، ويأتى لزيارة قبرها الجميع من أنحاء العالم".
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأم كلثوم فى إحدى الاحتفالات الوطنية
ومن جانبها قالت بثينة محمد، السيدة التى تجاوزت عمرها 70 عاما، صديقة كوكب الشرق التى عاشت برفقتها بمنزلها قرابة 12 عاما: "أم كلثوم عمة والدي، وعشت برفقتها فى الفيلا من عام 63 لـ75، حيث تعهدت بتربية ابنى عادل، لأعيش معها أحلى أيام عمري، كانت رقيقة وعطوفة وودودة، وكان منزلها دائما عامرا بالزوار، عبد الوهاب وعبد المطلب ومحمد فوزي وعبد الحليم، وشادية وفايزة أحمد ومها صبري، كانت هي التى تجمعهم، ومن أقرب السيدات لها كانت شادية، ولكن كل الفنانين بيحبوها، وهوايتها المفضلة كانت بتحب المشي بعد البروفة، على طريق المعادي أو بمنطقة الزمالك لأن وقتها كان مضغوط يا إما بتحفظ لحن أو جلسات مع الكتاب والملحنين".
وأكملت: "كل حياتها كانت الفن، وأصيبت بخلل في الغدة الدرقية، تسبب لها بجحوظ عينيها، لتضع النظارة السوداء طوال الوقت، أعمالها الخيرية كانت كثيرة جدا مساهمتها بجمعية مرضى الجذام وتحسين الصحة والوفاء والأمل، ودروها فى 67 فى النكسة وحزنها على البلد والمعاناة فى الوقت ده وقامت بدعم كامل للجنود كانت تسافر بالمحافظات وخارج مصر، لجمع الذهب وتسليمه للمجهود الحربي، وتقول عيب تتزينوا والبلد فى نكسة".
وأكدت: "كانت تحب كل أغانيها الربيعيات و(سلوا قلبي)، وتعد بعض أغانيها فى أكثر من عام، وكانت تقول إن المولى عز وجل يقول إن الإنسان إذا عمل عمل لازم يتقنوا، وأحمد رامي دائما كان يلازمها، ومحمد عبد الوهاب، وبيرم التونسي، وكانت بتعدل على معظم الأغاني التى تأتي لها لتغنيها".
أم كلثوم برفقة فاتن حمامة
وأضافت بثينة: "أم كلثوم تمت خطبتها مرات كثيرة، ولكنها تزوجت مرة واحدة من الطبيب حسن الحفناوي، وكانت خلال حياتها معه تعيش فى هدوء ويساعدها، ولا يتدخل فى عملها، كل منهما يعمل فى مجاله، وعندما يعودان للبيت يمكثان للحديث كلا عن همومه، وآخر أيامها كانت لا تتحدث كثيرا، وكانت ترفض الشكوى، وتُعالج حتى لحظاتها الأخيرة إلى أن توفاها الله".
أم كلثوم أثناء البروفه قبل أحدي الحفلات
أما حفيدتها سناء نبيل، والتي عرفت بموهبتها فى الغناء، كشفت خلال اللقاء عن أهم الأغاني التى تعشقها لجدتها "ألف ليلة وليلة"، و"فكروني"، كما كشفت سناء التى تنتمى لمدينة المنصورة عن أنها لا تعد حفيدة أم كلثوم مباشرة لأنها لم تنجب، وإنما تعتبر جدتها أخت لـ أم كلثوم، وبدأت مسيرتها الفنية بتعلم الغناء على يد الدكتور أحمد عبد الله عازف العود، ثم تدربت بعد ذلك على يد المايسترو سليم سحاب والتحقت بمعهد الموسيقى العربية.
كوكب الشرق فى صورة بجوار أبو الهول
وتابعت سناء عن رحلة كوكب الشرق أم كلثوم: "الريف فى الوقت الذى عاشت به أم كلثوم كان البنت صعب تخرج تغني، ولكن لولا دعم والداها وشغفها، وتغلبهما على كلام الناس، وخروجها للقاهرة بمساعدة الشيخ أبو العلا محمد، بحثا عن شق طريق فى عالم الغناء بموهبتها لما خرجت موهبتها للنور".
وأكدت: "جدتي كانت دائما تحكي أن أم كلثوم كانت لها هيبة وكانت سيدة ذكية والجميع كان يخشى منها، بالرغم من أنها خجولة وشخصية هادئة، وتساعد كل من حولها، وتهتم بإتقان عملها".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة