راحَتْ وحقِّ الله رُوحي بينَ المليحةِ والمليحِ
وأَعادَها من جُودِه كالغَيْثِ لاَ بَلْ كَالمَسيح
يُحيى القتيلَ فلاَ تَسَلْ بَعْدَ القَتِيلِ عَنِ الجَرَيح
الفاضِلُ المدعُوُّ بيـ ـنَ الخلْقِ بالنَّعتِ الصَّحيح
جمع فى نشأته الأولى بين علوم الفقه والدين واللغة، وكان مُلمَّاً ببعض اللغات الأجنبية المنتشرة فى تلك الحقبة، كاللغة الفارسية التى كان يتقنها وينشر بعض إنتاجه بها، ويستخدم بعض الخرجات الفارسية فى موشحاته، كما كان ملماً بعلوم الفلك، حتى كثرت إشاراته لأسماء الكواكب والنجوم والأفلاك ومنازلها، وما يدور حولها من قصص وأساطير.
وتَظَلُّ تَجْرى لِلوَرى مِنْ راحتَيه بِكُلِّ ريح
تأْتى مِنَ البَلد البعيــدِ إِلَيْه بالأَملِ الفَسيح
وتَروحُ منه مُتْبَعا بالمالِ لا كِيسِ المديح
أَوْصَى أَيَادِيه فقالَ لها رُويدَكِ لاَ تَبُوحي
ويأتى على رأس علاقات ابن سناء الملك مع علماء عصره علاقته بالقاضى الفاضل، الذى يقول عنه: "هو الأستاذ وأنا التلميذ له، والمتعلم منه"، فكانت بينهما مودة وتواصل بالرسائل، وكتاب "فصوص الفصول" حافل بالرسائل التى أرسلها القاضى الفاضل إلى ابن سناء الملك، والرد عليها، وهذه الرسائل تدل على الصلة الوثيقة بينهما، مما حمل الشعراء المعاصرين على حسده. كان لهذه الصلة أثر بارز فى حياة ابن سناء الملك، لأن القاضى الأثير عند صلاح الدين الأيوبى جعل ابن سناء الملك مقرَّباً من صلاح الدين وحاشيته فمدح من السلاطين صلاح الدين وأولاده العزيز و الأفضل، وأخاه الملك العادل، ومن الوزراء ابن شكر.
فكأَنَّه قد قال قولوا لِلَّطيمَة لا تَفُوحي
جلَّت مَكَارمُه كَمَا قد جَلَّ عن نُصْحِ النَّصيح
وعَلاَ فَصَار مديحُه الــإِغراقَ فى تَرْك المديح
يا سيداً جَادَتْ يَداه عَلى فى الزَّمنِ الشَّحيح
وأَنالَ فى زمنٍ يُرى فيه النَّوالُ مِنَ القَبيحِ
وقد استدعاه القاضى الفاضل إلى دمشق، ولكن حنينه إلى القاهرة أعاده سريعاً إلى مصر. وعلى الرغم من أن ابن سناء الملك أقام بمصر إلا أن شهرته الشعرية طبَّقت الآفاق فَعُرف بين شعراء مصر وشعراء الشام، زاد على ذلك أنه كانت له مجالس تجرى فيها المحاورات والمفاكهات التى يروق سماعها، وكانت داره إحدى المنتديات التى جمعت أسباب الترف واللهو، ولكنه كان على جانب كبير من الأخلاق الكريمة، فيها الاعتدال والورع والتقوى والشموخ والاعتداد بالنفس، أما مذهبه فقد قرر ابن سعيد بأنه كان مغالياً فى التشيع، على حين قررّ آخرون من المؤرخين أنه كان سُنيِّاً، والحديث فى ذلك يطول.
ورأَيتُ منهُ الدَّهرَ أَضْــحَى ضَاحِكاً بَعْد الكُلوج
ورأَيتُ مِنه صَوْلَةً أَقوى مِن الطِّرف الطَّمُوح
أَعْتَقْتَنى وملكتَ رِقِّــى إِذ رَدَدْت إِلى رُوحي
وأَمَتَّ حاسِدى الَّذي لم تُكرِموه بالضَّرِيح
قَد صارَ كالذِّئْب الذَّليــلِ وكَان كالأَسَد المُشيحِ
وكسوتَنى خِلعاً هززتُ بِهِنَّ عِطْفِى كالصَّفيح
خِلعٌ على خلع أَتَتْــنى كالفُتوح عَلى الفُتوحِ
لولاكَ لم يُعلم بأَشــعارِى ولَمْ يُقرَأ مَديحي
وجميلُ رأْيك حين صرح جَاءَ بالجودِ الصَّريح
فاخْلُد فإِنَّك خالدٌ واعمَلْ على قولِى الصَّحِيح
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة