حالة من الغضب، بين وزراء الخارجية العرب، يتجسد في كلماتهم التي أدلوا بها، داخل أروقة جامعة الدول العربية، خلال اجتماعهم، عبر تقنية "الفيديوكونفرنس"، والذى يأتي انتصارا لدولة فلسطين، في ظل الانتهاكات المتتالية التي ترتكبها إسرائيل، والتي وصلت إلى ذروتها مؤخرا، إثر اقتحام المسجد الأقصى، بالإضافة إلى تهجير السكان من حى الشيخ الجراح، في محاولة صريحة لتجريد المدينة المقدسة من هويتها، وهو الذى يقدم صورة جديدة لسياسات الاستيطان التي طالما استخدمتها سلطات الاحتلال لضم أراضى الفلسطينيين منذ سنوات طويلة.
وهنا تدور السياسات الإسرائيلية الأخيرة حول نفس الدائرة القديمة، عبر الاستئثار بالأرض، والالتفاف حول الشرعية الدولية، وهو الأمر الذى يقوض حل الدولتين، وبالتالي تقويض عملية السلام برمتها، في المرحلة الراهنة، في ظل تعنت الحكومة الإسرائيلية، وعدم رغبتها في إبداء أي قدر من المرونة، من أجل دفع عملية السلام قدما.
من جانبه، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إن السياسات الإسرائيلية المتهورة تهدف في الأساس إلى الاستئثار بالقدس، في الوقت الذى تسمح فيه للجماعات اليهودية المتطرفة بالدخول إلى باحاته فى زيارات استفزازية واستعراضية.
الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط
وأوضح أبو الغيط، في كلمته أمام الاجتماع، أن الانتهاكات والاستفزازات الإسرائيلية لا تأتى من فراغ، وإنما تمثل انعكاسا لحكومة صارت خاضعة بالكامل لأجندة عتاة المستوطنين وغلاة المتطرفين من الأحزاب الدينية هناك، مضيفا أن سياسات وإجراءات إسرائيل في القدس تخالف كلياً القانون الدولي الإنساني الذي كفلت نصوصه حرية إقامة الشعائر الدينية والوصول إلى الأماكن المقدسة، وهي تخلق وضعاً قابلاً للانفجار في المدينة.
ودعا أبو الغيط كافة القوى المؤمنة بالتسوية السلمية العمل على وقف هذه الهجمة الاستيطانية الشرسة التي تهدد بتفجير الوضع في القدس، وفي الأراضي المحتلة بوجه عام، مشيرا إلى أن ما يجري هو جرس إنذار يتوجب التنبه لدلالاته، حيث لم يعد بالإمكان الاطمئنان لاستمرار الوضع القائم أو استدامة الاحتلال ومظاهره المشينة.
تزامن الانتهاكات الإسرائيلية بحق المقدسات الإسلامية، مع شهر رمضان، ربما كان محلا للاهتمام من قبل قطاع كبير من المتحدثين، في ظل ما يحمله من دلالات، تعكس هيمنة تيارات متطرفة على دائرة صنع القرار فى إسرائيل، وهو ما يعوق أي تقدم محتمل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
يقول وزير الخارجية سامح شكرى، في كلمته أمام الاجتماع، إن مصر سعت إلى القيام باتصالات دولية لتهدئة الأوضاع بالقدس، موضحا أن الإخوة فى القدس لم تُتح لهم الفرصة ليستشعروا نفحات الشهر الكريم، لأنهم يخوضون معركة وجود دفاعاً عن مقدساتهم، وعن بيوتهم فى وجه هجمات إسرائيلية جديدة تستهدف حقوقهم فى الأرض التى ولدوا عليها، مضيفا أن ما تعرض له المسجد الأقصى المبارك خلال الأيام الماضية استفز مشاعرنا جميعاً، مشيرًا إلى أن هذه البقعة المقدسة تحولت إلى ساحة حرب على أيدي القوات الإسرائيلية، يُهان فيها المصلون العزل ويتعرضون للضرب والاعتقال، بدلاً من أن تتم حمايتهم لكي يؤدوا شعائرهم الدينية في حرية وأمان.
وزير الخارجية سامح شكرى
وأشار إلى أن الانتهاكات الإسرائيلية لم تتوقف عند أسوار المسجد الأقصى، بل تخطتها ووصلت إلى حي الشيخ جراح الذي بات عنواناً للصمود ومرادفاً للكرامة، فالمحاولات المستمرة لتغيير هوية القدس وحرمان أهلها العرب من حقوقهم، لم تكن لتمر مرور الكرام، لذا لم يكن مُستغرباً ما رأيناه من أهل القدس الذين يخوضون معركة دفاع عن الهوية والوجود يتردد صداها في كل جنبات العالم الحر، وينظر إليها كل عربي بفخر واعتزاز، ولعل في هذا الالتفاف وراء أهل القدس في هذه الأيام العصيبة ما ينفي تماماً أي مقولات تدعي أن الشعوب العربية لم تعد تهتم بالقضية الفلسطينية، كما أن في اجتماعنا اليوم في بيت العرب، ما يدحض هذا الادعاء، على حد قوله.
أما التمسك بهوية القدس، فكان عنوان الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكى، والذى أكد أن "القدس خط أحمر"، موضحا أن " أن إسرائيل اعتقدت أن قرارها بضم القدس الشرقية واعتبارها جزءا من القدس الموحدة كعاصمة أبدية، سيجبر الفلسطينيين على التنازل عن قدسهم وعاصمتهم، وأن سياستها العنصرية بحق المقدسيين واجراءاتها القمعية وجرائمها الفاشية ستجبر المقدسيين على الاستسلام وترك مدينتهم، وقدسهم، ومقدساتهم.
وزير الخارجية الفلسطينى رياض المالكى
وأضاف المالكى أن الاعتداء على الأقصى المبارك ليس الأول ولن يكون الأخير، والاعتداء عليه بهذه الطريقة خلال شهر رمضان الفضيل إنما رسالة لكل العرب والمسلمين، إنهم غير قادرين على حمايته، وإن دولة الاحتلال ماضية في تهويده تماماَ كما فعلت مع الحرم الابراهيمي في الخليل. وإن النتيجة هناك حتماً ستكون جبل الهيكل بديلاً عن المسجد الأقصى، إن لم نتحرك الآن وبمسؤولية عالية لوقف هذه الجرائم.
في حين كانت التداعيات المترتبة على الأحداث الراهنة، والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، محور حديث وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدى، والذى حذر من جراء مزيد من الصراع في منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلة المقبلة.
وزير الخارجية الأردنى أيمن الصفدى
وقال الصفدى، في كلمته أمام الاجتماع، إن إسرائيل لن تنعم بالسلام إن لم ينعم به الفلسطينيون، داعيا إلى وقف الممارسات الاستيطانية غير الشرعية في الضفة الغربية والعدوان الإنسانى على قطاع غزة. وأكد أنه سيكون لاستمرار إسرائيل في عدوانيتها وعنجهيتها انعكاسات خطيرة على كل شيء، بما في ذلك العلاقات الأردنية الإسرائيلية.
ومن جانبه، أعرب بدر بن حمد بن حمود البوسعيدى وزير خارجية سلطنة عُمان، عن تضامن السلطنة مع الشعب الفلسطيني الشقيق وتأييدها الثابت لمطالبة العادلة فى الحرية والاستقلال، مؤكداً أن الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى الشريف وحرمة الأماكن المقدسة في هذا الشهر الفضيل والإجراءات التعسفية التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على سكان القدس المحتلة والتنكيل بهم وتهجيرهم قسراً - أمر مرفوض ومستنكر جملة وتفصيلاً، وشدد على أن استمرار إسرائيل في احتلالها للأراضي الفلسطينية دون حق وانتهاكاتها المتواصلة للقانون الدولي والقيم والأعراف الإنسانية، أمر يحتاج إلى تحرك دولي حاسم من المجتمع الدولي ومجلس الأمن.
وزير خارجية سلطنة عُمان بدر بن حمد بن حمود البوسعيدى
وأما وزير خارجية الكويت أحمد ناصر المحمد الصباح فقد أكد على أن جمیع الإجراءات والقرارات الإسرائیلیة الأحادیة التي تستھدف تغییر الوضع القانوني والتاریخي القائم في الأراضي المحتلة أو فرض واقع جدید علیھا تعتبر "لاغیة وباطلة ولن توجد حقا ولن تنشىء التزاما."
وزير خارجية الكويت أحمد ناصر المحمد الصباح