تعد محبة الأخ، واحدة من العلاقات النقية فى حياة الإنسان، وذلك لأننا لو فكرنا بمنطق "الثابت والمتحول" فى حياة الواحد منا، سنعرف أن العلاقة بين الأخوة من ثوابت الحياة، فهى أمر لا يتغير أبدًا ولا يتبدل مهما جرت الظروف وتعقدت الأيام.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة "طه" على لسان سيدنا موسى، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، عندما أمره الله أن يذهب لمواجهة طغيان فرعون، حينها طلب "موسى" العناية والرعاية والونس والقوة فكان طلبه من الله "هارون أخى اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى".
لقد كان سيدنا موسى، عليه السلام، فى موقف صعب، فالله سبحانه وتعالى يخاطبه، ويكلفه برسالة خطيرة، لذا هو فى رهبة حقيقية، وعندما يكون الإنسان فى خوف ورهبة يبحث عن الأمان، وفى بحثه عن الأمان لم يجد فى قلبه سوى أخيه هارون، فهو الشخص الوحيد الذى يتحمل معه الأمر الخطير الذى يحتاج قلبًا محبًا يتحمل المصاعب من أجل أشياء كثيرة على رأسها الأخوة.
ولو بحثنا فى معانى كلمة "أزري" حسبما وردت فى سياق الآية سنجدها تعنى "القوة" وتعنى أيضا معنى "الظهر" وبالتالى يمكن القول إنها تعنى ظاهريا "قوة الظهر" و"ظهر الإنسان" هو ما يقيم الجسد كله ويجعله منتصبًا فى مواجهة الحياة، ودائما ما نضرب المثل بقوة الظهر على المقاومة والمواجهة.
وكلما قرأت جملة "اشدد به أزري" تخيلت صورة قديمة كنت أراها فى الحقول وبين العمال، كنت أشاهد رجالا يعملون فى جد كبير وجهد عظيم وكانوا يربطون ظهورهم بأحزمة أو "بشيلانهم" كى تعينهم على الصبر والعمل وتحمل الألم، وأنا هكذا أرى الأخ دائما فهو ما يشد به الإنسان ظهره ليقاوم قسوة الأيام.
والمتتبع لقصة سيدنا موسى عليه السلام فى القرآن الكريم سيجده مثالًا واضحا على محبة أخيه، وفى النظر إلى مكانته كقيمة أساسية فى الحياة، وذلك، بالطبع، يتناقض مع ما يحدث فى زماننا الراهن من تراجع لهذه القيمة، حتى وصل الأمر إلى عداء مستحكم، ووصلت عند البعض لـ الإلغاء، كأن الأخ لم يكن موجودا يومًا، تخيلوا أنه يوجد أخوة لا يعرفون ما يقع من حوادث فى حياة بعضهم، لا يعرفون ما بهم من فرح أو حزن من خير أو شر، وهو أمر للأسف يزداد مع توالى الأيام حتى أن أبناء العم مع الوقت لا يعرفون بعضهم البعض بالمعنى الفعلى، لذا نرجو من الله السلامة.