خلال أقل من أسبوع تلقى الرئيس عبدالفتاح السيسى اتصالين من الرئيس الأمريكى جو بايدن، تبادلا فيه الرؤى والتقديرات تجاه تطورات القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وبالطبع فإن الاتصال الأول تركز حول القضية الفلسطينية والمبادرة المصرية للتهدئة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، حيث تصدرت القاهرة مساعى التهدئة وقامت بدورها من واقع مسؤوليتها وعلاقاتها بكل الأطراف الإقليمية والدولية، ولم تكتف مصر بالتهدئة لكنها دفعت نحو الحل والعودة للسلام والدولة الفلسطينية.
الاتصال الثانى من الرئيس الأمريكى تناول القضية الفلسطينية بناء على ما رأته الإدارة الأمريكية من تحركات، لكن الاتصال تناول أيضا تطلع الإدارة الأمريكية لتعزيز العلاقات الثنائية مع مصر خلال المرحلة المقبلة فى مختلف المجالات، خاصةً فى ضوء دورها المحورى إقليميًا ودوليًا، وجهودها السياسية الفعالة فى دعم الأمن والاستقرار فى المنطقة وتسوية أزماتها.
الاتصالات الأمريكية متوقعة لدى أى مراقب للأوضاع الإقليمية والدولية وتحركات مصر خلال السنوات الأخيرة، ومدى ما تملكه القاهرة من أوراق ومفاتيح يمكن أن تساهم فى مواجهة الكثير من القضايا العالقة، فقد تناول الاتصال الثانى مستجدات القضية الفلسطينية وسبل إحياء عملية السلام ودعم تثبيت هدنة وقف إطلاق النار التى تم التوصل إليها بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى بوساطة مصرية ودعم أمريكى كامل، والجهود الدولية الرامية لإعادة إعمار غزة وتقديم المساعدات الإنسانية.
كما تناول الاتصال آخر مستجدات القضية الليبية؛ حيث تم التوافق حول أهمية العمل على استعادة توازن أركان الدولة الليبية واستقرارها، والحفاظ على مؤسساتها الوطنية، وصولًا إلى الاستحقاق الانتخابى بنهاية العام الحالى.
وواضح أن الإدارة الأمريكية ومعها الاتحاد الأوروبى والأطراف الدولية اطلعوا على وجهة نظر مصر حول ليبيا، وبناء قناعات بأن القاهرة لديها تصور ودراية كاملة، جرت على مدى سنوات بأن الاستقرار فى ليبيا يصب فى صالح الاستقرار الإقليمى والمتوسطى والعالمى، بعد سنوات تسببت فيها التدخلات الخارجية والحروب بالوكالة إلى فوضى، نجحت مصر بالصبر والعمل الجاد فى مواجهتها، والدفع نحو سيطرة الليبيين على مقدراتهم، وإدارة شؤونهم وإعادة الاستقرار.
وعلى مدى 7 سنوات كان الرئيس عبدالفتاح السيسى والدولة المصرية يرسمون سياسات خارجية تهدف الى دعم مصالح الليبيين والشعوب العربية فى الدول التى تعرضت لهزات أفقدتها الاستقرار واليوم أثمرت هذه السياسات بوضوح، حيث بدأ الاستقرار يعم تلك الدول.
ومن هنا فإن التحرك الأمريكى يأتى بعد إدراك لمفاتيح الحل وأن ثمن إعادة الاستقرار أقل كثيرا من ثمن الفوضى.
ولهذا أبدى الرئيس الأمريكى توافقا مع رؤية مصر للقضية الليبية وأيضا تعزيز الجهود المشتركة لإعادة دمج العراق فى المنطقة.
وبالطبع فقد تطرق الاتصال بين الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره الأمريكى جو بايدن إلى تطورات الموقف الحالى لملف سد النهضة؛ وتمسك مصر بحقوقها المائية من خلال التوصل إلى اتفاق قانونى منصف وملزم يضمن قواعد واضحة لعملية ملء وتشغيل السد، وأبدى بايدن تفهم واشنطن الكامل للأهمية القصوى لتلك القضية للشعب المصرى، مشيرًا إلى عزمه بذل الجهود من أجل ضمان الأمن المائى لمصر، وقد تم التوافق بشأن تعزيز الجهود الدبلوماسية خلال الفترة المقبلة من أجل التوصل إلى اتفاق يحفظ الحقوق المائية والتنموية لكل الأطراف.
بالطبع فإن الدولة المصرية وهى تتحرك فى ملف سد النهضة، تتحرك من منطلق مصالح الشعبين المصرى والسودانى، مع الحرص على إطلاع الأطراف الدولية بمفردات وخطورة الملف المتعلق بالنيل، وفى نفس الوقت تعتمد على ثقة الشعب فى أن الدولة لديها سيناريوهات للتعامل مع الملف الأكثر دقة، وتتحرك مصر من واقع الفعل ولا تنتظر لتعلن رد فعل تجاه الأحداث، وتعرف الأطراف الدولية أن مصر جادة وجاهزة فى كل الملفات وفى القلب منها ملف المياه.
وبالتالى فإن اتصال الرئيس بايدن يشير إلى إدراك لصحة مواقف ورؤية القاهرة والدولة المصرية التى تعتمد على خطاب واضح وإدراك لتشابكات وتقاطعات السياسة الدولية والإقليمية.