نعرف جميعًا اسم جان دارك (1412- 1431) واحدة من أشهر رموز فرنسا، وقفت ضد الاحتلال البريطانى ودفعت ثمن ذلك الكثير، وفى محاكمتها تحدثت عن علامة كانت بينها وبين الملك الفرنسى شارل التاسع قالت لها علاقة بالملائكة، فما الذى حدث، ونعتمد فى ذلك على كتاب "ألغاز تاريخية " لـ بول أرون".
يقول الكتاب تحت عنوان "ماذا كانت "علامة" جان دارك؟"
ربما لم تكن حرب المائة عام لتستمر لهذه الفترة الطويلة لو لم تقم فتاة قروية فى السابعة عشرة من عمرها بتعريف نفسها على وريث التاج الفرنسي، ففى عام ١٤٢٩، حين قابلت جان دارك الملك المستقبلى شارل السابع، كانت الحروب المتقطعة بين فرنسا وإنجلترا مستمرة منذ تسعين عامًا، وبدت النهاية قريبة، كان الإنجليز قد ألحقوا هزيمة منكرة بالجيش الفرنسى عند أجينكور، ثم كوَّنوا تحالفًا مع دوق برجندى، الأمر الذى منحهم سيطرة فعلية على نصف فرنسا، فكانت باريس فى أيدى التحالف الأنجلوبرجندى، وكان البرلمان فى المنفى فى بواتييه، وكانت أورليان — آخر حصن فرنسى شمال نهر لوار — محاصرة من قِبَل القوات البريطانية.
ومما زاد الأمور سوءًا أن شارل كان فى غاية التبلد فى مناصرته لقضيته، فبعد وفاة أبيه فى عام 1422، حصل شارل على لقب ملك فرنسا، لكنه لم يُتوَّج رسميًّا على الإطلاق، وظل معروفًا بلقب ولى العهد، وتبرَّأت منه والدته الملكة إيزابو بشكل فعلى حين انضمت للجانب البرجندى، ولافتقاده للحسم، أصبح شارل حينها فى حالة من العجز بسبب الشكوك حول شرعيته، فقد بدا غير متيقن مما لو كان ابنَ أبيه بحق، ومن إمكانية أن يحكم فرنسا.
ألغاز تاريخية
ووسط هذا الموقف المحبط، دخلت منقذة فرنسا جان دارك، ظهرت الفتاة الشابة مرتدية درعًا فى قلعة الملك فى شينون، وسرعان ما اكتسبت ثقته وحشدت قواته، وفى شهر مايو، أجبرت الإنجليز على التراجع فى معركة أورليان، وبعد شهرين رافقت شارل إلى ريمس من أجل تتويجه الذى كان بطعم النصر.
كان هذا انتصارًا قصير الأجل بالنسبة إلى جان، فقد أسرها البرجنديون، وبِيعت للإنجليز، ومثلت للمحاكمة وأُدينَت بالهرطقة، وفى مايو عام 1431، حُرقت على الخازوق، ولكنها أنقذت فرنسا، فعلى الرغم من أن حرب المائة عام قد امتدت حتى عام 1453(لتستمر 116عامًا على وجه الدقة)، فلم يعاود البريطانيون التهديد باجتياح البلاد مطلقًا.
ولكن كيف فعلت جان دارك ذلك؟ والأهم، ما الذى أقنع شارل الحذِر بأن يضع مصيره بين يديها، وهى مجرد فتاة قروية فى السابعة عشرة من عمرها بلا أى خبرة عسكرية، إلى جانب كونها فتاة؟ روى المعاصرون حكايات عن "علامةٍ" أظهرتها جان دارك لولى العهد، وكانت عبارة عن شىء حظى بثقته على الفور، ومنذ ذلك الحين، عزم المؤرخون على التوصل لماهية هذه العلامة.
كانت العلامة موضع اهتمام مباشر فى محاكمة جان عام 1431بتهمة الهرطقة، ويشير السجل الرسمى للمحكمة، الذى بقى منه ثلاث نسخ، إلى أن المدعين والقضاة قد استجْوَبوها مرارًا بشأنها.
رفضت جان الإجابة فى البداية، قائلةً إن العلامة كانت مسألة بين مليكها وبينها، ولكن هذه المحاكمة أُجْريَت تحت رعاية محكمة التفتيش، وكان مستجوبوها يعرفون كيف ينهكونها ويزعزعون عزيمتها، وبحلول الجلسة السابعة من المحاكمة، فى 10مارس، استسلمت جان وأجابت على أسئلتهم، فأخبرت المحكمة بأن ملاكًا أعطى العلامةَ للملك، ومع مزيدٍ من الضغط، استمرت جان فى مراوغة الأسئلة الخاصة بما أحضره الملاك تحديدًا، وبعد يومين، أضافت أن الملاك قد أخبر الملك بأنه يجب أن يجعلها تعمل فى جيشه.
فى الجلسة العاشرة من المحاكمة، فى 13 مارس، استُجوِبت جان مرة أخرى عن العلامة، فتساءلت وكأنها تحذِّر المحكمة من أن ما سَيَلِى سيكون كذبًا: "أتريدنى أن أجازف بحلف يمين كاذبة؟" ثم انطلقت تصف على نحوٍ أكثر تفصيلًا بكثير كيف أن عددًا من الملائكة — بعضهم لهم أجنحة، والبعض لهم أكاليل — قد أحضروا للملك تاجًا من الذهب الخالص، وناول أحد الملائكة التاج للملك وقال: "ها هى علامتك" وأضافت جان أن التاج الآن فى خزانة الملك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة