فى عصر المعلومات، تلعب مواقع التواصل دورا أساسيا فى النشر والجدل العام، ولم تعد «فيس بوك، وتويتر، ويوتيوب، وإنستجرام»، مجرد منصات اجتماعية، لكنها أدوات نشر، تتفاعل وتتقاطع مع الصحف والمواقع الإلكترونية العلنية، وبينما تخضع الصحف الإلكترونية والورقية للقوانين والأعراف، وتلتزم بمواثيق شرف، فإن مواقع التواصل ظلت بعيدة عن المسؤولية، حتى اتسعت مساحات النشر، والتعليق والجدل، وبالتالى ظهرت فكرة المحاسبة فى العالم كله، باعتبار أن ما ينشر على هذه المواقع يخضع لقوانين النشر والخصوصية.
وهناك حالات كثيرة فى الولايات المتحدة وأوروبا يتم فيها إخضاع ما ينشر على مواقع التواصل للقوانين، وتم التحقيق مع مدونين أو مواطنين حرضوا أو وجهوا سبا وقذفا أو تنمرا أو إهانة لغيرهم، خاصة هؤلاء الذين يستخدمون أسماء مستعارة، أو ينتحلون أسماء سياسيين أو نجوم مشهورين.
مصر ليست بعيدة عن هذا السياق، والآن تعود قضية مواقع التواصل والتعامل القانونى مع ما ينشر على هذه المواقع، وكيف تمكن معالجته، أو التعامل معه قانونا، وحق من تعرض للسب والقذف أو التنمر أو الإساءة أن يتعامل مع مثل هذه المنشورات على «السوشيال ميديا».
ظل التعامل مع مواقع التواصل، حتى سنوات، باعتبارها منصات اجتماعية لا تخضع للمساءلة، لكن ظهرت حالات يتعرض فيها البعض للسب والقذف، أو ينتحل كثيرون أسماء مشاهير ويمارسون عمليات سب وقذف، أو ينشرون شائعات، وهو ما دفع إلى مطالبات بإخضاع ما ينشر، لنفس قوانين النشر الطبيعى، فلم تعد مواقع ومنصات التواصل الاجتماعى، «فيس بوك، وتويتر، ويوتيوب، وإنستجرام» مجرد أدوات للهواة والنشر الاجتماعى، لكنها أصبحت واسعة الانتشار، وما ينشر عليها يؤثر فى الأشخاص وحياتهم، وهو ما يجعل كثيرين يطالبون بإخضاع ما ينشر عليها للقانون بكل وضوح، باعتبارها أدوات نشر علنية يؤثر ما ينشر عليها على حياة الناس بنفس تأثير غيرها من الأدوات، كالصحف والمواقع.
والنشر هنا ليس المقصود به الآراء السياسية والمناقشات الاجتماعية والرياضية والدينية، والتى يمكن أن يختلف حولها الجمهور والمشاركون، لكن المقصود هنا هو ما يتعرض له الأفراد من شتائم أو تنمر أو تحرش لفظى، أو عدوان على الخصوصية.
هناك يوميا عشرات البلاغات والقضايا، يتهم فيها أفراد غيرهم بالسب والقذف، مع إرفاق «بوستات» موثقة ومنسوبة لأصحابها، وضد بعض الأفراد ممن اعتادوا الدخول إلى مواقع التواصل بأسماء مستعارة، وتوجيه الشتائم أو مهاجمة الآخرين وسبهم وقذفهم أو استخدام ألفاظ وتعليقات تمثل سبا وقذفا، وهؤلاء يظنون أن اختفاءهم وراء أسماء مستعارة يحميهم من العقاب، لكن المجنى عليهم يستطيعون من خلال «معلومات وأرقام» الجهاز أو شريحة الموبايل، الوصول للمتهمين ومقاضاتهم، والأمر أسهل عندما يكون السب والقذف مباشرا باسم معروف.
هناك نماذج ظهرت مؤخرا، حيث تلقى أحد المحافظين رسائل على تليفونه، تتضمن ما رآه سبا وقذفا، فلجأ إلى النيابة، وتم تحديد المتهمين، وإحالتهم للتحقيق، وهنا انقسم الجمهور بين مؤيد ومعارض لبلاغ المحافظ، هناك من يرى أن المحافظ كان عليه باعتباره شخصية عامة أن يتنازل عن حقه فى مقاضاة المتهمين، والمحافظ يقول إن رسائل المتهمين لم تكن تعليقا على قرارات أو خلافا فى الرأى، لكنها تضمنت شتائم وسبا بالأب والأم، وغيرها، وهو ما يخرجها من المناقشة إلى السب والقذف.
حالة أخرى، لكنها تختلف عما كان، حيث أعلنت فنانة كبيرة أنها تلقت «بوست» يحمل سخرية وإهانة، من نجم شاب يعايرها ويقلل من شأنها، وتعاطف كثير من الجمهور مع الفنانة وهاجموا النجم الشاب، والذى خرج فى فيديو ونفى أن يكون هذا البوست منسوبا له، مؤكدا أن الحساب الموجهة منه الشتائم، مزيف ومنتحل، وليس من حسابه الموثق.
هنا تثور مناقشة مزدوجة، الأولى هى استناد البعض لبوستات أو أخبار غير موثقة، ومنتحلة بالكامل، هى قضية الانتحال والتزييف، وهى جريمة تقع يوميا ويصعب أحيانا ضبطها، وهناك مئات الحسابات بأسماء فنانين أو سياسيين منتحلة، تنشر تصريحات أو آراء أو أخبارا مزيفة، وتتسبب فى أزمات ومشكلات، وهذا الانتحال يتطلب تشريعات تعاقب المنتحلين، وتحاسبهم، حتى يمكن ردع من يفعلون ذلك.
وبشكل عام نحن أمام متغيرات، فى النشر والمشاركة، تتطلب مواجهة تشريعية، خاصة أنها لا تتعلق بحرية التعبير، لكنها تدخل فى سياق الجرائم، وتسبب أزمات وقضايا.