وقال المثقفون - في استطلاع أجرته وكالة أنباء الشرق الأوسط، بمناسبة ذكرى ثورة 30 يونيو - إنهم لعبوا دورا مهما في مقاومة ورفض الفاشية الدينية، وقاوموا الهيمنة على المجتمع وقيمه باسم الدين.

كان المثقفون في طليعة الشعب الذي خرج في 30 يونيو 2013 مطالبا، بإنهاء حكم جماعة الإخوان الإرهابية، وقد تجلى ذلك في اعتصامهم في مقر وزارة الثقافة بالزمالك، وفي تحمسهم للتوقيع على عرائض وبيانات تطالب بالتغيير، وفي مقدمتها بيان شهير لنقابة اتحاد كتاب مصر، وكان على رأسها في ذلك الوقت الكاتب الكبير محمد سلماوي. 

ففي السياق، قال الشاعر والباحث مسعود شومان رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة سابقا: كنت من أول الداعمين لـ 30 يونيو بعد ما عايناه على الأرض من محاولات هيمنة الفاشية الدينية على مقدرات الدولة المصرية ومحو ملامحها خاصة الثقافية، فالثقافة أهم عناصر تغيير المجتمعات والحراك الاجتماعي جذره ثقافي.

وأضاف أن الثقافة هي فاعلة الثورة؛ حيث لعب المثقفون المصريون دورا مهما في مقاومة ورفض الفاشية الدينية، وقاوموا الهيمنة على المجتمع وقيمه باسم الدين. 

وأوضح شومان - الذي يتولى حاليا منصب رئيس تحرير مجلة (الثقافة الجديدة)، التي تصدرها شهريا الهيئة العامة لقصور الثقافة - "لما كان طموح المثقفين يسعى للدولة المدنية وقيمها، فكان السعي لإظهار الثقافة كصناعة ثقيلة يمكن أن تقود عبر فنونها من مسرح وفنون تشكيلية وفنون شعبية، وظني أن الرؤى الثقافية بدأت في مكاشفة الهوامش الثقافية بعيدا عن المتن وتوجهت للأقاليم، فكانت النظرة الأنثروبولوجية تتوسع لترى الثقافات التي نسيناها طويلا على حدودنا المصرية واهتمت عدة وزارات مثل الثقافة والشباب والرياضة بالوصول لأقصى نقطة في المعمور المصري، كما وصلت المسرحيات إلى الأماكن التي كانت مهمشة والحدودية عبر مشروع مسرح المواجهة ليواجه الأفكار المتطرفة ويحقق جزءا من العدالة الثقافية". 

واستطرد شومان قائلا: الأمل قائم في اتساع المشروعات القومية والرؤى الثقافية الاستراتيجية، التي يجب أن تعتمد شعار (ثقافة من الناس للناس) وتحول الهامش الثقافي إلى متن لنرى حيوية الأقاليم الثقافية وفنونها وفنانيها وشعرائها على مسارح القاهرة؛ فالثقافة هي سلاحنا الأهم، وبعيدا عن هيمنة النخبة لدينا كنوز ثقافية تمتد في كل إقليم ثقافي، ولا مستقبل لنا إلا بتعميق أرواحنا بحفظ هذا التراث واستلهامه والوعي به وبقدرة ناسه على كسر الفنون البائسة التي زيفت وعي الناس. 

بدوره، قال الشاعر الكبير محمود قرني: كان أدق ما قرأت عن ثورة الثلاثين من يونيو 2013 في مصر هو ما كتبه الشاعر السوري أدونيس في جريدة (الحياة) - آنذاك - من أن تلك الثورة ربما كانت أهم ثورة في التاريخ الإنساني، ليس فقط بسبب الملايين التي خرجت في كل ميادين مصر، بل لأنها كانت ثورة على حكم يأتزر بعباءة الدين في مجتمع محافظ بحكم تكوينه الاجتماعي والثقافي. 

وأضاف: إن وجه تلك الثورة مازال قادرا على مفاجأة الجميع بتطلعات متماسكة ورشيدة حول مستقبل بلدنا، ومشيرا إلى أن مآلات الثورة لم تكن طموحا أسمى لرسل الديمقراطية الجدد ولا حتى لأنصافهم، لذلك أتصور أن نخبتنا عليها التحلي بالكثير من التواضع تجاه المشهد السياسي شديد العمومية، فالمؤكد أن الدولة المصرية استطاعت استعادة كل وظائفها الحيوية، وغير الحيوية أيضا، وأظن أن ذلك يجري بأعلى درجات الكفاءة التي عرفتها مصر منذ دولة محمد علي، كما أتصور أن تعاظم قدرة الدولة على تقويض خرافات وترهات الفقه الأسود الذي لازم العقل المصري منذ سبعينيات القرن الماضي كان واحدا من أهم منجزات الثورة، بل ربما هو أهمها. 

وأوضح قرني أنه كان مقدرا لنا أن نستبدل رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك ويحيى حقي ونجيب محفوظ وعشرات غيرهم بـ "علي شريعتي"، و"سيد قطب"، وأن يحل كتاب "الفريضة الغائبة" لمحمد عبد السلام فرج، محل مؤلفات عابد الجابري ونصر أبوزيد وحسن حنفي، كان مطلوبا أن تذهب رقبة مصر إلى مقصلة جماعات تصنع الدين الذي يخصها. 

وتابع: كان مطلوبا من مصر كلها أن تسير وراء شخصية سفيهة مثل سيد قطب، وأن تدعم منشوراته بالتقرير بأن البشرية "تقف اليوم على حافة الهاوية بسبب إفلاسها في عالم القيم، وأن العالم كله يعيش في جاهلية، ومن ثم فإن التفوق الذي يجب أن يحرزه الإسلام يكمن في العودة لقيادة البشرية عبر تفوقه العقائدي وليس المادي، إذ التفوق المادي إلى زوال، أما القيمة الإيمانية فباقية! هذا ماكان يراد لمصر، لذلك فإن احتفاءنا بذكرى ثورتنا، هو في حقيقته، احتفال بهذا الشعب العظيم الذي أكد للبشرية أنه صاحب أقدم دولة في التاريخ. 

من جانبه، قال القاص والروائي الكبير سمير الفيل: في العام الذي حكم فيه الإخوان عقد مؤتمر إقليم شرق الدلتا في مدينة دمياط، وكانت آلة الإخوان قد بدأت في السيطرة على مفاصل الدولة، فنظم مجموعة من الأدباء ـ وكنت منهم ـ وقفة احتجاجية، وأصدرنا بيانا قلنا فيه: إن الوطن يسمح بتعدد الثقافات وأن هيمنة تيار أصولي وحيد، يفقد البلاد خصوصيتها. 

وأضاف: حين هبت ثورة 30 يونيو لاحظت انخراط طوائف من مختلف مكونات الشعب المصري في نشاطها، ربما كان ذلك ناتجا عن رد فعل ضد السياسات التي مارستها الجماعة المغلقة. 

وحسب اجتهادي، فإن هذا التحرك الواسع على الأرض قد تمكن فعلا من إزاحة الجماعة بميراثها البغيض، وباصطفافها خلف القوى الرجعية ورغبتها في الاستيلاء على مقدرات البلاد. 

وأعرب الفيل عن قناعته بأن مصر دولة كبيرة في المنطقة، وصاحبة دور رئيسي، وذات حضارة عريقة، ومن الصعب ابتلاعها، وإخراجها من منظومة الدول التي ترنو للمستقبل، والتي تبني نهضتها بالعلم والثقافة الرفيعة وبالانتصار لكل ما هو قائم على فكرة البناء العصري. 
وذكر أن الرفض التلقائي لممارسات الإخوان كان - أيضا - رفضا لمعنى الاستعلاء الذي تمت ممارسته على أرض الواقع، كما أن كوادر وقيادات الجماعة لم يكن لديهم بعد أفق ولا قراءة حقيقية للواقع، لذا كان من الطبيعي سحب البساط من تحت أقدامهم، وتعرية أهدافهم في السيطرة وخلق أجيال جديدة لا تعرف سوى التلقين والإذعان. 

وروى: قبل أن تتبلور أمام أعيننا فكرة تنظيم الصفوف لرفض الهيمنة، كنت أجلس مع صديق لي من ناحية "كفر الغاب"، وهو كادر تعليمي محترم، سألني: هل انتهت الأمور ليحكمنا فصيل طائش، لا أفق سياسي له؟ قلت بشيء من التوقع مع لمسة استشراف: أظنها جولة، ومن الصعب أن يضحك هؤلاء على شعب أصيل يفهم في الأصول، وأظن التغيير قادم لا محالة. 
وتصوري - يقول سمير الفيل - أنه لو لم ينتفض الشعب في تلك الفترة الصعبة؛ لتمكن الإخوان من فرض سيطرتهم، وتقديم مشروعات الغرض منها تصفية المشروع القومي، وربما تكوين ميليشيات تحميهم، كما كانت مصر الدولة والكيان القديم، ستصبح في وضعية الضعف والهوان. 

واختتم الفيل بالقول: كان هذا حريا بحدوث حرب أهلية، فهناك الآلاف ممن كانوا سيرفضون هذا، وستتم مجابهتم بالقوة الغاشمة، لذلك يمكننا القول إن هذه الاحتجاجات القوية على الأرض والتي تحولت إلى ثورة قد أنقذت البلاد من مصير مؤلم، ولكي تكون الخطوات القادمة أكثر قوة في مصر الحديثة علينا الاهتمام بالصناعة والزراعة، والعكوف على رعاية محدودي الدخل، مع القيام بجهد أكبر في تثوير التعليم حتى لا تخرج لنا بعض العقول التي مازالت تعيش في كهف الماضي. 

أما الروائي والشاعر صبحي موسى، فقال: ثورة 30 يونيو كانت فاصلا لا بد منه، فمصر البهية بثقافتها وتراثها الحضاري المهول ما كان لها أن تستسلم للسقوط في مستنقع التخلف والعنصرية ومحاكم التفتيش والحاكمية، لذا كان لا بد أن تنتفض تيارات كثيرة داخل الوطن لأجل الخروج من الكبوة، ومن ثم فإن 30 يونيو كانت ثورة ثقافية أكثر منها ثورة سياسية على نظام لم يحترم الشكل الديمقراطي الذي أتى من خلاله، ولم يحترم أبجديات الدولة المصرية العريقة، فضلا عن تغيير الوعي والفكر المصري، وتولية الإرهابيين المناصب السيادية، والشروع في عمل مؤسسات بديلة تخص الإخوان وأتباعهم، بالإضافة إلى شراء بعض المثقفين وآلاف الموظفين، وغسيل أدمغة ملايين المواطنين، وإعلان الانتماء للتنظيم الدولي على حساب وطنية الدولة المصرية. 


واعتبر صبحي - الذي سبق له تولي منصب مدير النشر في الهيئة العامة لقصور الثقافة - ثورة 30 يونيو "ملهمة"، ليس فقط على صعيد العمل العام والمشاركة في اعتصام المثقفين في وزارة الثقافة، لكن في إنجاز أكثر من عمل روائي انطلق من هذه الثورة أو استند على وعيها الفكري، منها "الموريسكي الأخير"، "نقطة نظام"، و"صلاة خاصة"، وأنا في انتظار صدور أحدث رواياتي "نادي المحبين" عن دار "سما" للنشر، والتي تؤرخ للفترة من 25 يناير حتى 30 يونيو، موضحة كيف فرض الغرب الفكر الديني على المنطقة العربية، وكيف صعدت تيارات الإسلاميين إلى السلطة، وما الذي جرى في هذه الأيام وكيف انتفض الشعب للخروج من الكبوة. 
في حين قال الدكتور حاتم الجوهري المشرف على المركز العلمي للترجمة بالهيئة العامة للكتاب، وأستاذ النقد الأدبي والدراسات العبرية المنتدب بالجامعات المصرية "هناك وجهات نظر متعددة في التعاطي مع ثورة 30 يونيو؛ شخصيا أراها من وجهة نظر استشرافية تضع - في حسبانها - مسارات المستقبل داخليا وخارجيا؛ لهذا أعتبر أن ثورة 30 يونيو هي الموجة الثورية الثانية الكبرى لثورة 25 يناير 2011، وأرى أنها يمكن أن تصب في صالح المستقبل بعيدا عن محاولة إعادة إنتاج الاستقطابات القديمة، وتفجير تناقضاتها الكامنة التي تجاوزها الشعب المصري، وطوى صفحتها راغبا في العبور للمستقبل بآمال عريضة، واستكمال طموحاته الكبرى في استعادة الذات المصرية ببعدها العربي، وصلتها القوية بـ "مستودع الهوية" الخاص بها، وسعيها لامتلاك مستلزمات الدفاع عنه. 

ورأى الجوهري أن الشعب المصري يحتاج للعمل على مشروع مهم لاستعادة "القيم المشتركة" والتأسيس لها مجددا، موضحا أهمية أن "تكون ذكرى الموجة الثورية الثانية الكبرى لثورة 25 يناير أي 30 يونيو، محطة للبناء والتركيز على الأهداف الكبرى التي خرجت من أجلها جموع الشعب المصري للشوارع والميادين". 

ولاحظ الجوهري أنه يمكن أن تتحول الثورة المصرية عموما - بموجتيها الأولى والثانية - إلى مصدر لقوة ناعمة هائلة لمصر، ففي النصف الثاني من القرن الماضي، قادت مصر حركات التحرر في إفريقيا والدول العربية، وقدمت نموذجا للقوة الناعمة والجاذبية الطوعية للآخرين من خلال إلهامها ذلك. 

واختتم بالقول: يمكن لنا الآن أن نستثمر في القوة الناعمة للثورة المصرية العظيمة، ونطرحها كنموذج لتجاوز آثار "المسألة الأوربية" وعقدها أو متلازماتها الثقافية، مشيرا إلى أهمية أن تكون الثورة المصرية - في موجتيها - إضافة للأمن القومي المصري والعربي خارجيا، داعيا إلى أن تكون منصة ورافعة لبناء "القيم المشتركة" واستعادتها.