أكثر من عام ونصف العام، يفرض كوفيد - 19 نفسه على العالم، ويواصل تغيير سلوكيات الناس وطرق حياتهم، وتستمر الأبحاث والدراسات حول كل ما يتعلق بالفيروس، ليس فقط من ناحية كونه فيروسا أو جائحة تهدد الصحة، لكن من جهة كونه حدثا شاملا يتعلق بحياة الناس فى العالم وسلوكياتهم وعملهم وأرزاقهم. جيوش من الأطباء والباحثين حول العالم يواصلون عملهم للكشف عن حقائق ومعلومات حول الفيروس الأكثر خطرا على مدى ما يقرب من القرن، وهذه الأبحاث تظهر نتائج وتفاصيل مختلفة كل يوم عما كان فى بداية الجائحة.
كل يوم هناك جديد فى سياق التعامل مع الفيروس والمعلومات التى تظهر يوميا تنفى تفاصيل ومعلومات سابقة، فقد كانت المعلومات المتاحة فى بداية الفيروس أن من يصاب به تتكون لديه مناعة لفترة تجعله غير قابل للعدوى، وأن المتعافى من الفيروس يمكنه التبرع بالبلازما ليساعد مريضًا آخر فى حالة خطرة، لكن ما جرى بعد ذلك أن من يصاب بالمرض ويشفى قابل للعدوى والمرض مرة أخرى بدرجة من الخطورة تتوقف على مناعته وتعامل جسده مع الفيروس.
الأمر الثانى هو التصور الذى ساد بأن اللقاح يحمى من العدوى، لكن بعض من تلقوا اللقاحات تكررت إصابتهم بعد جرعة أو جرعتين. كل هذا يبدو مختلفا عما أعلن فى بداية إنتاج وتوزيع اللقاحات، وحتى المجلات والآراء العلمية هى أيضا تتغير بشكل طبيعى من تطور معرفة الخبراء والأطباء بالفيروس.
وحول هذا الأمر، نشرت مجلة نيتشر العلمية الشهيرة، تحقيقا بعنوان «دراسات السلوك الإنسانى تشهد تحولا بسبب جائحة «كوفيد - 19»، ويقول الكاتب كريستى أشواندن: إن الجائحة تعلمنا دروسا مهمة حول كيفية التصدى للأزمات والمعلومات المضللة، فضلا عن دورها فى تحفيز الباحثين على تبنى طرق جديدة فى دراسة القضايا المتعلقة بالصحة العامة. وينقل الكاتب عن بريان نوسيك، المدير التنفيذى لمركز العلوم المفتوحة بولاية فيرجينيا الأمريكية، قوله: «إن الجائحة أتاحت فرصة لإعادة النظر فى بعض أسس إجراء الأبحاث، بدءا من التدريس والبحوث المخبرية، إلى تصميم الدراسات، والتعاون البحثى.. لا أتخيل أننا سنعود لما كنا عليه».
ومن الواضح أن اللقاحات سوف تكون ضرورية لفترات مقبلة، وربما تمتد لعدة سنوات وتكون موسمية مثل مصل الأنفلونزا، وسوف تكون كل دولة مطالبة بتوفير اللقاحات لمواطنيها، ومن هنا فإن الإعلان عن اتجاه مصر لإنتاج اللقاحات هو خطوة مهمة واستجابة علمية سريعة للتعامل العالمى مع الفيروس، لأن توطين إنتاج اللقاحات بمصر يوفرها بشكل مستمر على مدى سنوات، كما أنه يضاعف من خبراتنا فى إنتاج اللقاحات والأمصال. كانت مصر من بين الدول القليلة فى المنطقة التى تمتلك معامل لإنتاج الأمصال واللقاحات، لكنها توقفت عن التطوير ما تسبب فى تراجع هذه المنتجات الحيوية.
اليوم، هناك عملية إحياء لإنتاج الأمصال واللقاحات بشكل يعيد مصر مركزا إقليميا لإنتاج هذه المنتجات الحيوية، خاصة مع وجود نقص فى اللقاحات، عالميا، لأن الهند تمتلك أكبر مصانع العالم للقاحات، واضطرت الحكومة الهندية لتحويل اللقاحات لتطعيم مواطنيها، وهو ما أدى لتأخير وصول اللقاحات إلى دول مختلفة، ولهذا تتجه مصر إلى الإنتاج محليا، وحسب ما أعلنته وزيرة الصحة فقد تلقت مصر 10 ملايين جرعة، وهناك اتجاه لأخذ الجرعة الأولى من أسترازينيكا والجرعة الثانية من سينوفارم، حسب توصيات للجان علمية، ضمن اتجاهات فى الغرب والدول المتقدمة توصى بخلط اللقاحات للحصول على مناعة قوية فى مواجهة فيروس قوى يحمل قدرا من الغموض،
وبالتالى، فإن إنتاج اللقاحات محليا يضاعف من إمكانية تلقيح المواطنين، وقد أعلنت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة، أنه تم إنتاج 650 ألف جرعة من لقاح كورونا الصينى، وخلال أيام سيجرى إنتاج 2 مليون جرعة، وبدءا من أغسطس سيكون الإنتاج محليا من 10 لـ15 مليون جرعة شهريا، وتشير إلى أن المصنع الأولى سينتج خلال الستة أشهر المقبلة 80 مليون جرعة، والمصنع الثانى يصل إنتاجه اليومى لـ3 ملايين جرعة، وبإنتاج سنوى يتخطى مليار جرعة ويتم طرحه دوليا، ويمكن أن يكون لقاحا عالميا آخر غير السينوفاك.
وتعد خطوة إنتاج اللقاحات أحد مكاسب المرحلة، لأنها توفر قاعدة محلية وإقليمية مهمة، فى ظل توقع التطورات فى الفيروسات.