السمسار وفق التعريفات البسيطة، هو من يتوسَّط بين البائع والمشترى لتسهيل صَفقة تجارية أو عَقارية مقابل نسبة من المال، وكلنا يعرف السماسرة جيداً، ويتعامل معهم من وقت لآخر، إلا أن أعداد السماسرة وانتشارهم في كل المجالات صار قضية تستحق الاهتمام، فقد بات أعداد هؤلاء بالملايين وفى كل المهن والحرف، حتى صار نصف المواطنين "سماسرة"، الكل أصبح وسيطاً في البيع والشراء بخبرة أو بدون، الكل يتوسط ويسعى، حتى تحولت السوشيال ميديا إلى صالة مزادات كبيرة، وسوق معلنة يتحكم فيه الوسطاء.
عشرات بل مئات الجروبات على فيس بوك، وظيفتها الأساسية تسويق منتجات، يقوم عليها سماسرة ووسطاء، بغض النظر عن كونها جيدة أم رديئة، لكن الكل يحاول أن "ياكل عيش" بلغة أبناء البلد، حتى أصبح الجميع خبراء في كل شيء، وبسهولة شديدة يمكنك أن تدخل إلى هذا العالم، الذى يساهم بصورة كبيرة في زيادة تكلفة السلعة أو الخدمة، نظراً لكثرة الدوائر بين المنتج والمستهلك النهائي، بالإضافة إلى العمولات التي يجنيها الوسطاء.
أكثر المجالات التي ينشط فيها الوسطاء والسماسرة هي العقارات، وأتابع من وقت لآخر مجموعات تعمل في هذا المجال على فيس بوك، لدرجة أن أحد جروبات سماسرة القطاع العقارى وصل عدد من فيه إلى حوالى 70 ألف شخص، وهذا رقم كبير جداً يجعل التسويق مستحيل، فالمبيعات التي يحققها قطاع الإسكان المتوسط والفاخر من 80 إلى 100 ألف وحدة سنوياً، وفقاً لتصريحات خبراء القطاع العقارى، بينما الإسكان الاجتماعى والوحدات التي تبنيها الدولة لا تدخل فيها الوساطة المباشرة في مراحل التخصيص والبيع، بينما قد يظهر دور الوسطاء في مراحل لاحقة بعد سداد ثمن الوحدة وإعادة بيعها، الأمر الذى يؤكد أن هناك " تخمة " في قطاع السمسرة العقارية، بعدما تحول الجميع إلى سماسرة!
الأعداد الكبيرة التي تعمل في مجال السمسرة العقارية تزيد من حدة الضغط على المستهلك، وتطارده ليل نهار برسائل مزعجة، والشركات التي تعمل في هذا المجال غالباً لا تقدم مرتبات لهذه الفئة، والعمل غالباً ما يكون بـ "الحتة"، وكل سمسار وشطارته، وبالطبع هذا يزيد من عمليات النصب، ويرفع عمليات المبالغة في الأسعار، فلو أن وحدة ثمنها في السوق مليون جنيه، قد يبدأ معك السمسار الحديث بأن ثمنها مليون و200 ألف، وإذا لم تنجح في اكتشاف الخدعة أو لديك الخبرة الكافية عن الأسعار، سوف تتعرض لعملية نصب في نحو 20% من ثمن الوحدة السكنية التي ترغب في شرائها، وبالطبع في هذه الحالة سيحصل السمسار على نسبة "محترمة" من المبالغ التي تم تحميلها على المشترى، بخلاف نسبته العادية التي يحصل عليها، وهذا يؤثر على السوق بصورة سلبية، فتقل نسبة المبيعات نتيجة طمع الوسيط في الحصول على أعلى فائدة من الزبون.
سماسرة العقارات يطاردونك بصورة منتظمة، قبل شراء الوحدة السكنية، وبمجرد إتمام عملية الشراء، والحصول على أموالك كاملة أو بتسهيلات، لن يتصل بك أحد، بل لن يرد عليك أحد، فقد أصبحت هدف تم إنجازه، ولم تعد في دائرة الاهتمام، لذلك يجب أن يحترز المستهلك ويضع في اعتباراته كل الاحتمالات الممكنة، ويلجأ إلى شركات أو مؤسسات موثوقة، وشركات لها سمعة جيدة، حتى لا يقع ضحية للسماسرة، الذين أصبحت أعدادهم تفوق كل التقديرات.
لآبد أن تكون هناك آلية قانونية لتنظيم عمل الوسطاء والسماسرة بالقطاع العقارى في مصر، خاصة مع وجود هذه الأعداد الكبيرة، وضرورة تأسيس كيان قانونى يعبر عن تلك الفئة وينظم عملها، بدلا من هذا العالم الغامض على الفضاء الأزرق، حتى أصبح كل من لا يجد وظيفة أو عمل مناسب يقرر أن يعمل سمسارا، وما يترتب على هذا من مشكلات، وحتى نضمن ألا يتحول القطاع العقارى إلى نمط الاستثمار الاحتيالى، الذى يعرف لدى خبراء الاقتصاد بـ "سلسلة بونزى"، وهى ببساطة تعتمد على إقناع العامة في وضع أموالهم باستثمار مخادع، يُدر عوائد، وبمجرد أن تتم الصفقة، ويحصل رأس السلسلة على ما كان يخطط له من أموال يخرج سريعاً، لتبدأ الخسائر على كل من هم داخل هذه السلسلة، وهكذا تستمر اللعبة من شخص لآخر، لذلك علينا أن نحترس من سماسرة العقارات، وقبل اتخاذ أي قرار شرائى يجب الحصول على الضمانات الكافية أولاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة