مازال الحديث ممتداً حول تبنى مشروع ثقافي كبير لتوثيق السيرة الذاتية للمفكرين والأدباء والشعراء والفنانين، والمبدعين في مجالاتهم والشخصيات العامة والنماذج المؤثرة في عالم المال والأعمال، حتى نتعلم من هذه التجارب، ونحفظها بالصوت والصورة، ونضمن لها البقاء والانتشار، مع إمكانية العودة إليها في أي وقت دون عناء أو تعب، أو الكتابة والنقل بطريقة تحتمل التأويل.
ليس بالضرورة أن تتحول كل السير الذاتية للمشاهير إلى مواد منشورة أو حوارات تلفزيونية، لكن يكفي أن تكون موجودة ومسجلة، من باب التوثيق والحفظ، وهنا يحضرني النموذج الذى قدمه الفنان الكبير، إسماعيل ياسين، عندما سجل مسيرته الطويلة من الطفولة حتى النجومية عبر حلقات إذاعية، كتبها السيناريست أبو السعود الإبيارى، وقد كانت هذه الحلقات رصيد حقيقي لكل من يرغب في جمع معلومات موثقة عن "سُمعة"، الذى لم يكذب أو يتجمل عندما سجل تلك الحلقات، بل تحدث عن وقائع وأحداث خاصة جداً، مثل خيانة زوجته الأولى، وهذه قصة قد لا يرغب الكثير في وضعها ضمن سيرته الذاتية، بل تحدث أيضا عن والده الصائغ، الذى أدمن المخدرات، وكان يُزور النقود المعدنية، حتى لا يموت جوعاً، بعدما فقد ثروته وكل ما يملك وضيعها على " الكيف والمزاج".
فكرة السيرة الذاتية المصورة لا تتعارض مع تسجيل اليوميات، خاصة أن الذاكرة لا تبق على حالها، وغالباً ما تُتهم بالخيانة، لتظل اليوميات مصدر توثيق مهم لتفاصيل الأحداث، خاصة الوقائع الكبيرة، التي تحتاج في سردها لكل تفصيله صغيرة، بل ونرصد فيها الهمسات والهمهمات، لكنها صعبة ومرهقة، وعند حصرها وتجميعها ستحتاج إلى سنوات وسنوات، لذلك أغلب اليوميات إذا لم يتم جمعها وكتابتها وتنسيقها وضبط سياقها بعناية، ستموت بموت صاحبها، وتظل حبيسة الملفات والأدراج، لذلك يجب ألا نربط السيرة الذاتية المصورة بفكرة اليوميات.
عند مقارنة السيرة الذاتية المصورة، ودفتر اليوميات الورقية، بالطبع ستكون النتيجة لصالح الأولى، فمن الممكن حفظها على فلاشة صغيرة، أو تخزينها بسهولة على الموبايل، واستيعابها على مساحة افتراضية على وسائط التخزين المتطور، خاصة أن الأوراق والدفاتر أقرب إلى التلف والضياع والتأثر بعوامل الزمن مع مرور الأيام.
إشكالية الكتابة في السير الذاتية تتأثر دائما بلغة صاحبها، فدائما ما نجد سيراً لمشاهير يذكرون مصطلحات وكلمات لا يعرفها العامة والمثقفون أيضا، مثل الدبلوماسيين أو العسكريين أو مشاهير الأطباء والمهندسين، فتخرج مذكراتهم صماء صعبة، بينما لو تم توثيقها بصورة حوارية "فيديو" تعتمد على السؤال والجواب، واستيضاح المعلومات الناقصة أو التفاصيل غير المفهومة، والكلمات الصعبة أو المتخصصة، ستكون أقرب في الوصول إلى المشاهد، خاصة أن من يحكى ستظهر شخصيته الخاصة وعباراته المعروفة عنه دون تكلف.
السير الذاتية المصورة للمشاهير، ستفتح الباب لعشرات الأعمال الفنية والدرامية، لشخصيات وحكايات جذابة ومؤثرة، وسوف ُتلهم الكتاب والمؤلفين نحو عشرات المسلسلات والأفلام، التي قد تكون إضافة كبيرة للمكتبة الفنية المصرية والعربية، وتقدم إنعاشاً حقيقياً لهذا النوع من الدراما، الذي تراجع الاهتمام به خلال الفترات الماضية.
الدعوة إلى مشروع ثقافي كبير لتوثيق السيرة الذاتية للمشاهير، مهمة تحتاج إلى عناية ودراسة، من كل الجهات المعنية، سواء المنتجتين وصناع الدراما أو الكتاب، أو المسئولين في وزارة الثقافة، أو كل شخص يرغب في توثيق رحلته، فهناك آلاف القصص لدى أشخاص عاديون، ليسوا مشاهير أو نجوم مجتمع، لكنها تحمل مشاهد ودروس وعبر أكبر بكثير مما نظن أو نتوقع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة