تواصل الفرنسية «مدام دى روشبرون» أو«عزيزة دى روشبرون» كشف أسرار قصتها مع الزعيم محمد فريد، رئيس الحزب الوطنى، منذ أن التقت به لأول مرة فى باريس عام 1909، واستمرت أثناء عيشه فى منفاه بأوروبا بعد فراره إليها فى مارس 1912 حتى وفاته فى نوفمبر 1919، حسبما تؤكد فى مذكراتها، التى قدم المؤرخ الكبير الدكتور محمد أنيس مقتطفات منها على أربع حلقات فى«الأهرام» من 25 أغسطس 1972، وكشفت فيها قصة حبهما، وإنجابها طفلا منه وفقا لقولها..«راجع ذات يوم، 25 و26 أغسطس 2021».
ترصد المذكرات تقلب العلاقة بين فريد والخديو عباس الثانى، ودورها وعلاقتها أيضا مع الخديو، تذكر أنه فى يونيو 1912 كانت تعيش فى مدينة «تشكيرجى» بتركيا، وكان الخديو يقضى فترة الصيف على ضفاف البوسفور، وكان لا يجهل شيئا عن علاقتها بفريد، لأن المسألة كانت قد أحدثت دويا، وتلقت رسالة تفيد بأن الخديو سيوفر لها عملا يغنيها عن الحاجة لأى شخص، كما أرسل لها 40 جنيها.. تذكر رأى فريد فى ذلك وفى عباس:«كان فريد يعتبر هذا العاهل الذى كثيرا ما وصفه مصطفى كامل باشا بالوطنية، مخادعا لا يعمل إلا لتأمين تاجه، لكنه لم ير غضاضة فيما كان يريد عباس عمله من أجل مصلحتى، بل إن فريد كلفنى بأن أراه لكى أحاول أن أتقرب إلى أدق أفكاره»، كذلك فإن عباس كان يريد أن تقربه من عدوه اللدود فريد بك، بدون تنازلات أو مساومات.
تنتقل «روشبرون» إلى الأستانة فى يوليو 1912، ويصلها خطاب من فريد يوم 14 يوليو، يخبرها بأنه تنقل فى الخمسين يوما الماضية بين السويد وبرلين وبروكسل ولوكسمبورج، ومن بلجيكا تسلل إلى باريس. يذكر لها أنه تأكد من أن«تركيا الأوروبية» انتهت، ثم يتحدث فى خطابه عن حالة اثنين من أقرب المصريين له فى أوروبا وهما، إسماعيل لبيب، وعبدالحميد سعيد، وهو النائب البرلمانى الذى اشتهر فيما بعد بمعركته تحت قبة البرلمان ضد عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين بسبب كتابه «الشعر الجاهلى»، فيقول لها: «هل تعرفين أن عبدالحميد سعيد تطوع فى الحرب البلقانية، وإسماعيل لبيب مازال فى«سريا» مع أسرته؟».
فى خطاب يوم 9 ديسمبر 1912 يجدد كلامه عن «سعيد»:«إننى قلق جدا على عبدالحميد سعيد، فلم يتلق أحد أخبارا عنه منذ رحيله إلى الجبهة. إنه مندفع ومتهور. وأخشى أن يكون قد فارق الحياة، وسيكون فى ذلك خسارة كبيرة لقضيتنا ولمصر، فلنتعلق دائما بالأمل، وإذا جاءتك أخبار عنه اكتبى لى على الفور».
دعاها عباس إلى مصر، وكانت زيارتها الثانية، وقابلت فريد أولا فى باريس أول أكتوبر 1913، ثم وصلت إلى القاهرة، واستقرت فى ضاحية الزيتون، وبدأت تكتب لفريد كتابة مستفيضة، وعادت من مصر إلى سويسرا، وكان فريد يقيم فيها خلال يونيو ويوليو، وهناك وصلتها أنباء اعتداء محمود مظهر بالرصاص على عباس فى الأستانة بتحريض من جماعة «الاتحاد والترقى»، وجرح، وقتل حرسه «مظهر» ومعه أسرار المؤامرة، تذكر أنها خشيت أن يفسر الخديو هذا على أنه تحريض من فريد فينفض تحالفهما وقتئذ.
أحست«روشبرون» بوقوعها فى أزمة بقيام الحرب العالمية الأولى عام 1914 فهى فرنسية شديدة التعلق بوطنها فرنسا، وفريد«عثمانى» شديد التعصب للدولة العثمانية، التى كانت تتأهب للانضمام إلى «ألمانيا والنمسا» ضد معسكر الحلفاء، وعلى قمته فرنسا، تؤكد:«لم يتزحزح أى منا عن موقفه، ولهذا عجزنا عن الاستمرار فى تآلفنا الفكرى على نحو ما كان فى الماضى».. تضيف:«فى 27 أغسطس، مثل هذا اليوم 1914، أبلغنى فريد فى رسالة بريدية مقتضبة من جنيف أنه مسافر إلى الأستانة التى استدعى إليها، لقد آثر أن يلوذ بالفرار بدلا من أن يمزق بين قلبينا مرة أخرى، ولكننى أدركت أن هذا التكتم وهذه العجلة يدلان أن ساعة الجد دقت».
عادت«روشبرون» إلى فرنسا، وتذكر لقاءها قبل الأخير مع فريد يوم 5 سبتمبر 1915، وتقول:«يوم السبت 4 سبتمبر قضى الليلة كلها معى على غير عادته، وبينما كنا ممددين على أريكة فى الشقة المتواضعة، جذبنى إلى صدره، وظللنا لمدة طويلة ملتصقين فى صمت، وقلت له وقد أوهننى الألم: لديك شىء ضدى، أتوسل إليك أن تشرح لى، قال: إنك تعلمين جيدا أنهم حالوا كثيرا أن يبعدونى عنك ولم ينجحوا، إن أى شخص لن يستطيع أن يغير من أمرنا شيئا»، تضيف:«كان صوته هادئا مؤثرا، كما لو كان يشعر بحتمية انتهاء ذلك الحب، الذى كان يخرج دائما منتصرا، قلت له:«هذه آخر ليلة لنا معا»، جعلته هذه الجملة يرتجف، وقال: «لا تقولى هذا سوف نتقابل مرة أخرى»، ولكن هذا كان على فراش موته.
تضيف:«افترقنا فى صمت، كانت الدموع تترقرق فى عينيه، ونزل السلالم بخطوة متسرعة، وازدادت سرعته، وأخفيت نفسى وراء الباب لأجهش فى البكاء».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة