بعد عام كامل على انفجار مرفأ بيروت، لم تتوصل التحقيقات إلى الفاعل أو المتهمين فى التفجير المأساوى، الذى كان كاشفا عن الكثير من ملامح أزمة لبنان، التعتيم السياسى والتقاطع والمحاصصة التى تمنع ظهور الحقيقة، والمفارقة أن الانفجار جاء فى وسط أزمة اقتصادية وسياسية عاصفة، يدفع ثمنها الشعب اللبنانى، البعيد عن التجاذبات السياسية والطائفية، والذى أعلن تمرده ورفضه للحكومة والطبقة السياسية.
نظم اللبنانيون فى أكتوبر 2019 تظاهرات شعبية غير مسبوقة ضد المنظومة السياسية التى أدت إلى الأزمة الاقتصادية، واللافت أنه منذ انفجار بيروت لم تجد الأزمة السياسية حلا، بل ازدادت تعقيدا ووصلت الأحوال الاقتصادية إلى مستوى شديد الصعوبة، وجرت محاولات مختلفة للتوصل إلى تشكيل حكومة أو حل للأزمة التى تعصف بالبلد المهم، لكن الأمر بقى معلقا، يدفع ثمنه اللبنانيون، خاصة مع تفشى فيروس كورونا، والذى ضاعف من المشكلة الصحية، فضلا عن كونه أدى لمضاعفة الشعور بالأزمة الاقتصادية التى انعكست فى ارتفاع الأسعار وانهيار الليرة اللبنانية ووصول التضخم إلى أعلى معدلاته.
وقد انعقد أمس الأربعاء، المؤتمر الدولى الثالث لدعم الشعب اللبنانى، نظمته فرنسا والأمم المتحدة، بمشاركة لفيف من رؤساء الدول والحكومات، وسبقته مؤتمرات سعت لمناقشة كيفية تقديم المساعدة للحفاظ على لبنان وسط واحدة من أكبر الأزمات التى واجهته منذ ما بعد الحرب الأهلية.
شارك الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى المؤتمر عبر الفيديو كونفرانس، ووجه كلمته إلى الشعب اللبنانى الشقيق، مؤكدا أن أيادى مصر ممدودة إلى المجتمع الدولى للتكاتف، وتسخير كل إمكاناتنا لدعم لبنان وبناء مستقبل أفضل لشعبه، مشيرا إلى الجهود التى تبذلها مصر منذ وقوع حادث مرفأ بيروت لتوفير السلع الاستراتيجية والدعم للبنية التحتية للدولة اللبنانية لإعادة تأهيل المبانى التى تضررت من الانفجار، وآخرها وصول سفينة حربية مصرية إلى بيروت الشهر الماضى محملة بما يزيد على 300 طن من هذه الاحتياجات، بالتكامل مع جهود المستشفى الميدانى المصرى فى بيروت، والذى يقدم الخدمات الطبية يوميا للبنانيين، إلى جانب ما تم من توفير كميات من الأدوية لعلاج فيروس كورونا لمساعدة لبنان على مواجهة تبعات الجائحة.
وقد كان تحرك الدولة المصرية فى أعقاب انفجار مرفأ بيروت بناءً على دور مصر العربى ومسؤوليتها بجانب العلاقة التاريخية بين الشعبين المصرى واللبنانى، وفور وقوع الانفجار اتصل الرئيس عبدالفتاح السيسى بالرئيس اللبنانى ميشيل عون، وأبلغه بأن مصر تسخر كل إمكانياتها لتقديم كل ما يلزم، وفورا تم إعلان جسر جوى مستمر لنقل الاحتياجات الطبية والإغاثية.
ولم تتوقف مساعى الدولة المصرية طوال هذه الشهور عن دعوة الجهات الدولية والإقليمية لمساندة لبنان، وقد أكد الرئيس السيسى فى كلمته أمام المؤتمر، أن الأزمة الاقتصادية فى لبنان ترتبط ارتباطا وثيقا بالأزمة السياسية المستمرة منذ عام 2019، والتى تزداد تعقيدا يوما بعد يوم فى ضوء استمرار أزمة الفراغ الحكومى، مجددا الدعوة إلى ضرورة إنهاء هذا الفراغ لمنع انزلاق لبنان إلى نفق مظلم لا رابح فيه.
وطالب الرئيس كل الأطراف بالارتقاء إلى قدر المسؤولية وإعلاء مصلحة لبنان وشعبه، للإسراع فى تشكيل حكومة وطنية مستقلة من الخبراء، يمكنها التعامل مع التحديات الراهنة وأن تبتعد الأطراف السياسية بلبنان عن التجاذبات والصراعات الإقليمية، وتركيز الجهود لتقوية مؤسسات الدولة.
لخصت كلمة الرئيس السيسى، الموقف المصرى، ورسالته لكل السياسيين اللبنانيين بأن المجتمع الدولى مستعد لدعم لبنان فور إنهاء أزمة الفراغ الحكومى واستعادة ثقة المجتمعين العربى والدولى بما يتيح الانتقال من مرحلة الدعم الإنسانى إلى مرحلة الدعم الاقتصادى وبناء مستقبل أفضل للشعب اللبنانى.
وقد عبر الموقف المصرى عن موقف الشعب اللبنانى، وتحدث الرئيس السيسى بلسان الشعب اللبنانى، الذى يحق له أن يودع مآسيه، ويستعيد سلطاته فى دولة مستقرة.