أخطرت مصر، الإدارة الأمريكية فى يوم 22 يوليو 1970 قبولها مبادرة وزير خارجيتها «روجرز» بوقف إطلاق النار مع إسرائيل، فغضبت بعض الأطراف العربية، وشنت هجوما عنيفا ضد جمال عبدالناصر واتهمته بالاستسلام، وكان النظام البعثى الحاكم فى العراق الأكثر نشاطا فى هذا المجال.
كانت «مبادرة روجرز» هى المحصلة السياسية لحرب الاستنزاف المصرية الشهيرة، وفقا للكاتب الصحفى محمود عوض فى كتابه «اليوم السابع، الحرب المستحيلة.. حرب الاستنزاف»، مضيفا: «فى مساء 23 يوليو 1970 قام جوزيف سيسكو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية، بإخطار السفير الإسرائيلى إسحق رابين، بأن مصر قبلت بمبادرة روجرز ضد كل التوقعات، ويقول رابين: فيما بعد عرفت أنهم «أى المصريين» صاغوا ردهم بطريقة ماهرة جدا، فهم يقبلون بالمبادرة، ولكنهم يؤكدون فى نفس الوقت تفسيرهم المعروف للقرار 242».
يذكر «عوض»، أن عبدالناصر قال أثناء مناقشته للموضوع فى اجتماع مجلس الوزراء: «تحركنا الأخير وقبولنا لمشروع روجرز له مزايا وعيوب، وهناك مصريون سيعارضون المشروع، وآخرون سيؤيدونه مرددين: ما قلنا من زمن إن الأمريكان هم اللى يحلوا القضية».. وقال أمام المؤتمر الطارئ للاتحاد الاشتراكى يوم 24 يوليو 1970: «المبادرة مجرد تنفيذ لقرار مجلس الأمن، وأنه شخصيا ليس لديه سوى نصف فى المائة من الأمل بتنفيذها، وإنما هو يرى قبولها بالدرجة الأولى من أجل اعتبارات عسكرية خاصة بنا».
رفضت فصائل فلسطينية المبادرة، وكذلك العراق وكانت الأعلى صوتا فى الرفض، ووصل الأمر بها إلى تنظيم مظاهرات ضد موقف عبدالناصر، وأرسلت إلى القادة العرب برسائل حول موقفها، وفى يوم 3 أغسطس 1970 نشرت جريدة «الأهرام» النص الحرفى والكامل لرد عبدالناصر على رسالة الرئيس العراقى أحمد حسن البكر، وكان مبعوثا خاصا وصل بها إلى القاهرة وهو «مرتضى الحديثى» عضو مجلس قيادة الثورة العراقى ووزير العمل والشؤون الاجتماعية.. حمل «الحديثى» رد عبدالناصر وكان أبرز ما جاء فيه: «ليست بالشعارات تدور الحرب وتتم معارك التحرير، ولماذا لا توجهون النار للعدو؟.. لماذا لا يوجه العدو النار إليكم؟.. لقد دهشت إلى حد كبير من المسيرة التى نظمتها السلطات العراقية، سواء كانت رسمية أو حزبية ضد الجمهورية العربية المتحدة، وأنا أقول ذلك صراحة لأننى تعودت ألا أدارى أو أدور من حول الأشياء.. أما كان هناك أجدى من هذه المسيرة ضدنا.. وثقتنا غير محدودة بشعب العراق وجيش العراق».
تقدمت وزارة الخارجية العراقية بمذكرة احتجاج إلى السفارة المصرية فى بغداد، حول نشر «الأهرام» لرد عبدالناصر على خطاب «البكر»، حسبما تذكر الأهرام يوم 5 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1970.. ذكرت «الأهرام»، أن الخارجية العراقية قالت فى مذكرتها: «إن نشر هذا الخطاب لا ينسجم مع واقع العلاقات بين البلدين والحرص على وحدة الصف العربى».
رفضت وزارة الخارجية المصرية الرد على الاحتجاج العراقى، لكنها سجلت ملاحظات ذكرتها الأهرام، وهى: «إن تدبير المظاهرات ضد الجمهورية العربية المتحدة «مصر» وإذاعتها بالراديو والتليفزيون، وأن حملة التحريض التى يشنها النظام الحاكم فى بغداد، وقد وصلت هذه الحملة إلى حد دفع مبالغ ضخمة من المال إلى أكثر من عاصمة عربية لتمويل مظاهرات ضد القاهرة - ولم تنجح هذه الحملة فى أى عاصمة عربية - لا يمكن أن تكون هى الشىء الذى ينسجم مع واقع العلاقات بين البلدين والحرص على وحدة الصف العربى».
وأضافت «الخارجية المصرية»، أن الرئيس أحمد حسن البكر نشر رسالته إلى الرئيس جمال عبدالناصر فعلا، وقبل أن تصل هذه الرسالة إلى القاهرة، وذلك فى مقدمة وصلب عدد من البيانات التى صدرت عن الحكومة العراقية، وكان آخرها بيان هذه الحكومة التى أعلنت فيه مقاطعتها لأعمال مجلس الدفاع المشترك الذى كان مقررا فى طرابلس قبل أيام، وبالتالى فإن نشر خطاب الرئيس جمال عبدالناصر بعد وصوله فعلا إلى بغداد كان ردا عمليا ومنطقيا على موقف النظام العراقى.
وكشفت «الأهرام»، أن مذكرة الاحتجاج التى تقدمت بها وزارة الخارجية العراقية جاء فيها: «إن الحكومة العراقية ستحتفظ بحقها فى مواجهة هذا الإجراء واتخاذ ما تراه مناسبا»، وذكرت «الأهرام» أن مندوبها الدبلوماسى علم أنه بعد دراسة هذا الاحتجاج فإن الرأى استقر على عدم الرد عليه اكتفاء بمواقف القاهرة المعلنة فى كل ما صدر عنها من وثائق فى الأسبوع الأخير، ورفض الدخول فى أى مناقشة على هذا المستوى مع الذين لا تعنيهم من القضية العربية إلا مواقف التخريب والكراهية».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة