مشغول أنا بحياة الزعيم أحمد عرابى، وذلك لأسباب عدة منها تأمل الحال عندما تنكر الأحلام، فكما نعرف جميعا فإن الهزيمة يتيمة، وعرابى المهزوم فى حربه ضد الإنجليز صار يتيما، وصارت ثورته يسمونها "هوجة".
دفع عرابى من عمره سنوات كثيرة فى المنفى، لك أن تتخيل أن عرابى عندما نفى (كانت محاكمته فى نهاية عام 1882) كان قد تجاوز الأربعين من عمره بسنة واحدة فقط، فهو من مواليد عام 1841، أى كان فى عز شبابه، وظل فى المنفى قرابة العشرين عاما، حيث عاد من هناك شيخا كبيرا، يقول الكاتب محمود الخفيف، فى كتابه "أحمد عرابى الزعيم المفترى عليه"، إن عرابى عاد بعد 19 سنة فى المنفى، وكان الإنجليز تمكنوا من كل شىء فى البلاد، وكان دعاة الإنجليز وألسنتهم يلقون فى روع الناس أن حركة عرابى لم تكن إلا عصيانا أهوجا بعثه الطموح الشخصى، وثبت فى أذهان ناشئة الجيل الذى أعقب الاحتلال أن عرابى هو سبب النكبة وأن "هوجة" عرابى هى التى جلبت الاحتلال.
كما أن أحمد عرابى سقط ضحية للصحف الموالية للقصر والتابعة للإنجليز، ولا نعرف هل نقلوا كلامه فعلا أم أولوه وزادوا عليه، فجعلوه يقول بأن مصر صارت فى حال أفضل عما تركها.
كل ذلك ترك أثره على صورة عرابى فى الشارع، وعلى حياته، فقد ظل القصر الذى سمح له بالعودة والإنجليز الذين عفو عنه يعدونه عدوا ويضيقون عليه الحال، حتى قيل بأنه مات فقيرا، وأن أبناءه انتظروا أن يتسلموا معاشه كى يستطيعون دفنه.