رجل ساقته الأقدار لأن يتحمل مسؤولية ضخمة ومعقدة فى وقت صعب لم يكن أحد يتوقعه، وجد المشير محمد حسين طنطاوى نفسه مسؤولا عن إدارة دولة فى حجم مصر بكل تفاصيلها، بعد انهيار سياسى وأمنى سريع، وفراغ فى كل ركن، كان عليه أن يتحمل مسؤولية إدارة الأمن والاقتصاد والسياسة فى مرحلة انتقالية فى ظروف بالغة التعقيد، ووسط صراعات وتناقضات وتقاطعات، وقوى سياسية تفتقد إلى التصور أو التنظيم، وقوى منظمة لديها أطماع وليس مجرد طموحات، وأى تقييم لا يضع فى اعتباره هذه التفاصيل، أو يتجاهل الأرشيف، هو تكرار لرؤى سطحية، هى نفسها كانت مسؤولة عما جرى بشكل رئيسى.
الدور الذى قام به المشير طنطاوى فى عام 2011 هو واحد من أخطر الأدوار، لأنه حافظ على خيوط كثيرة، ومن كانوا فى هذه الدائرة يعلمون كيف كان الوضع معقدا، سواء كانت هناك قوى داخلية أو خارجية تحاول خلق صدام أو إشعال حرب أهلية، مثلما حدث فى دول من حولنا، تم إسقاط نواتها الصلبة، فلم تعد حتى الآن، كان الهدف توريط القوات المسلحة فى أزمات وصدام مع الشعب، لكن المشير أدار الأمور بحكمة وهدوء شديدين وبقوة وإرادة، وفى الناتج النهائى حافظ على هيبة القوات المسلحة وأيضا على أمن البلاد، وجنبها صدامات، كان يمكن أن يدفع ثمنها الشعب أضعافا.
أى متابع قريب مما كان يجرى بمصر منذ 25 يناير وما بعدها، يعرف كيف وجدت مصر نفسها على خيط مشدود، كل خطوة فيها تحتمل هاوية أو نجاة، كان اختبارا للدولة وأيضا اختبارا سياسيا لتيارات وأفراد، فى واقع معقد أثبتت التجربة أنه لم يكن مستعدا لخوض تغيير كبير، أو يحمل تصورات واضحة للمستقبل، كان الأمر مجرد كلام نظرى لم تثبت صحته، وأغلبه خليط من مناقشات فى برامج التوك شو ومواقع التواصل، ضاعفت من حجم الارتباك والتشويش.
شهور صعبة أظهرت مطامع وطموحات بعضها أكبر من أصحابها، ولو فكر المشير محمد حسين طنطاوى أن يلتقط السلطة لحصل عليها فى ظل وضع انتاب الشعب فيه قلق وخوف، لكنه لم يفعل وتحمل ضغوطا ومطالبات لم تكن بعضها بريئة، كانت هناك أصوات تتحدث عن الدستور والانتخابات والرئاسة والبرلمان، وكل تيار له ترتيب للأولويات، وكلها تفاصيل محفوظة فى أرشيف هذه المرحلة التى مرت بأقل الخسائر.
كان الارتباك مسؤولية قوى سياسية، انقسمت بين طامحين وطامعين، وجماعة تريد السلطة وتدفع آخرين لصدامات، ونجحت فى جر بعض التيارات وراءها بحسن نية أحيانا وسوء نية فى أحيان أخرى، بعض محتكرى الحديث باسم الثورة كانوا يتحركون من دون خطط ما جعلهم تحت تأثير التيارات المنظمة، وهم من حرضوا ودفعوا لصدام نجح المجلس العسكرى فى تفاديه.
وجد المشير طنطاوى نفسه على رأس قيادة دولة فى حجم وأهمية مصر، والدولة ونواتها الصلبة فى اختبار وجودى، وأصعب اللحظات تلك التى شهدت فيها مصر لحظة صمت وفراغ سلطة، وكانت مجالا للكثير من الأجهزة والدول والأعين المفتوحة خلف ستار إعلامى أو بحثى أو سياسى أو دبلوماسى، ملعب مفتوح لأجهزة وأياد وأعين، فى محيط ينذر باشتعال حرائق وصراعات.
وبالعودة إلى أرشيف تلك الأيام، ربما لم تكن مصادفة أن تتزامن عمليات عدوان على كنائس، أو حروب مذهبية، ومظاهرات طائفية ومطالب فئوية، تزامنا مع تدفق أموال وظهور فضائيات وصحف وجمعيات، مئات الملايين تم إنفاقها على مشروعات إعلامية وفضائيات، وتوالدت قنوات دينية كل مهمتها الهجوم على الأقباط والمذاهب الأخرى، وتكفير المجتمع على مدار الساعة.
وتولى المشير دفة الأمور فى أحد أكثر الأوقات صعوبة وتعقيدا ودقة، وتحمل الكثير من الضغوط والتحديات، وسعى لأن تمر الفترة الانتقالية ليسلم السلطة لمن يستطيع انتخابا أو اختيارا، استوعب محاولات التحريض على الجيش، واستفزازات انتهت بصدامات.
كان شاهدا على مرحلة من أخطر المراحل وشارك فى كل الحروب منذ عام 56، وحتى العبور، وحافظ على الدولة بعقيدة الجيش الحامى للشعب والوطن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة