تمر اليوم الذكرى الـ18 على رحيل المفكر الفلسطينى الكبير إدوارد سعيد، إذ رحل عن عالمنا فى 24 سبتمبر عام 2004، تاركا خلفه إرثا فكريًا كبيرًا، إذ يعد أحد أهم المثقفين الفلسطينيين وحتى العرب فى القرن العشرين سواءً من حيث عمق تأثيره أو من حيث تنوع نشاطاته، بل ثمة من يعتبره واحداً من أهم عشرة مفكرين تأثيراً فى القرن العشرين.
ولد إدوارد سعيد فى القدس فى الأول من نوفمبر 1935، والده وديع وليام إبراهيم سعيد الفلسطينى البروتستانتى خدم فى الحرب العالمية الأولى فى فرنسا ضمن القوات الأمريكية تحت إمرة الجنرال جون بيرشنج ما أهله لنيل الجنسية الأمريكية، وانتقل قبل ولادة إدوارد بعقدٍ إلى القاهرة.
واخر فترة الأربعينيات ألحقه والده بكلية فيكتوريا فى الإسكندرية وهى من أقدم وأكبر المدارس الإنجليزية فى مصر وتعتبر لأولاد الطبقة الثرية وكانت الإقامة بها داخلية، وطرد منها سنة 1950 لكونه مشاغباً، ليرسله والده وهو فى الخامسة عشرة إلى مدرسةٍ داخليةٍ نخبويةٍ فى ماساتشوستس-الولايات المتحدة.
استمر إدوارد فى الولايات المتحدة، لكن أيامه فى القاهرة والإسكندرية بقيت معه حتى النهاية، دائما ما كان يتذكر مدينة الألف مئذنة وعروس البحر المتوسط، الثانية دائما ما يفضلها أهل الفكر والثقافة والأدب، لكن كيف ينظر "سعيد" إلى القاهرة، وهل فضلها على الإسكندرية، وكيف وصفها فى حديثه:
وبحسب حوار سابق للراحل ترجمه للعربية سعيد بوخليط، قال: "بدت لى القاهرة دائما البديل الأكبر.مع ذلك، توجد فى الخلفية، هذه الصورة العملاقة عن ضفة البحر الأبيض المتوسط الشرقية، التى لم أستوعبها تماما وأعتقد بأنى أدركتها أولا كنقيض للإسكندرية، كانت الأخيرة، سواء على مستوى الأدب أو حياتى الشخصية، بمثابة المكان الذى حين الذهاب إليه كما لو نحو نافذة تطل على أوروبا، بسبب وجود مجموعات أجنبية، وعدد كبير من اليونانيين، والفرنسيين، والايطاليين، والأرمينيين، واليهود.
ونظرت إليهم مطلقا كأفراد ينتمون إلى الإسكندرية بحيث لازلت غاية اليوم أندهش لتواجد يونانيين فى اليونان، وإيطاليين بإيطاليا،إلخ. وبالتأكيد، وفق التعابير الأدبية، تحدث الإسكندرية كثيرًا من الأصداء فى الغرب مقارنة مع القاهرة، لكنى لم أشعر قط بأنى مرتاح جدًا فى تلك المدينة، لم يظهر لى أن لها نفس حيوية وكذا التناسق المادى وغير الرسمى اللذين ميزا القاهرة، لذلك، تملكنى هذا الشعور بأن القاهرة أرست أمامى خيارا، خياري، ثم إذا استفضت فى تأملي، فالقاهرة تنقسم إلى مدينتين، من جهة،المدينة القديمة، حاضرة أبى الهول، والأهرامات، بكل بعدها الفرعونى الذى انصب عليه اهتمام الغرب الحديث بمصر، لكن تقوم كذلك المدينة الأخرى، التى يستحيل الإحاطة بها كلِّية، فهى غامضة ومفككة بالنسبة للأجانب، لكنها داخل جدران فكري، واضحة جدا، تحتوى تجربة إسلامية، وعربية، وإفريقية، مناهضة للاستعمار".
وتابع: "تجربة لم تكن أبدا سهلة المنال حقا بالنسبة للغرب مع ذلك، يمكننا أن نفصل داخل هذه المدينة نفسها، الفضاء الكولونيالى عن جسمها الأساسي، ثم نميز فى إطاره جهة أكثر صغرا وتفردا، شكلت أمكنة، مثل حى الزمالك، "الجزيرة" التى ترعرعت فيها، أرض مقتصرة أساسا على الأوروبيين، حيث عاشت أسرتى إلى جانب عائلات: شرقية، استعمارية، أقليات، أثرياء. ثم هناك، أحياء أخرى فى القاهرة، كجاردن سيتي،حيث توجد السفارات،ضمنها السفارة البريطانية، مركز سلطة اعتبرت موازية للقصر طيلة سنوات الاستعمار البريطاني،سنوات(1952-1880).
وبالتأكيد، وجدت أيضا القاهرة الإسلامية العربية، بثراء ثقافتها الشعبية، مع أحياء الجمالية، شبرا، بولاق، باب اللوق. شيء ثان،لم أقف عليه سوى حديثا، تقريبا منذ خمسة عشر سنة تقريبا، حينما انتبهت إلى أن الحركة الفكرية المؤثرة، المتمركزة فى القاهرة، هى من طرح سؤال الهوية الثقافية المصرية المنتقلة عبر التاريخ".
واستطرد: "أما عن الإسكندرية أيضا، الحاضرة الشرقية بامتياز، مع ذلك، يدهش جدا، أن القاهرة مدينة لا تمنح أبدا هذا الإحساس بكلِّيانية تامة بمفاهيم أخرى، هناك نوع من الليونة فى القاهرة – على الأقل بالكيفية التى استوعبتها– تسمح لمختلف أنواع الهويات بالتعايش الهادئ داخل مجموع إنها فكرة مبهمة، لكن حقا هذا ما نشعر به تتلاقى وتتعايش مختلف المسارات التاريخية، والحكايا والأوضاع على نحو أصفه بـ"الطبيعي" بالنسبة إلي، هذا ما يحدد المتعة الحضرية، وليست مشابهة لباريس، تلك المدينة المصممة بمتانة لأنها مركز إمبراطورية، ولا لندن، ذات المعالم المرتبة بدقة: القاهرة بالأحرى مدينة توفر شبكة من العلاقات السلمية ضمن مسارات تاريخية غير تامة،جزئيا مفقودة ،متبارية، متنازعة، ومع ذلك تعيش بطريقة أراها مذهلة، صارت القاهرة ترمز أمام نظرى صيغة أكثر جذبا من رؤية التاريخ:إنها ليست معطى قد نصنفه بعناية إلى أنواع،ثم نديره بأنظمة تكامل وكذا سياقات شمولية، بل القاهرة بالأحرى مثل جَرْد بوسعه التشكل ثانية".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة