بيشوى رمزى

دبلوماسية مصر الناعمة.. من "المحدودية" إلى التوسع

الأحد، 02 يناير 2022 09:07 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"الدبلوماسية الناعمة".. مفهوم بات يمثل أحد أهم الأوجه التي تتبناها الدولة المصرية في السنوات الأخيرة، في إدارة علاقتها مع محيطيها الإقليمي والدولي، وهو ما يعكس إدراكا عميقا بأهمية خلق أبعاد جديدة، في العلاقة مع الدول الأخرى، تتجاوز البعد الرسمي، والمتمثل في العلاقة بين الأنظمة الحاكمة، عبر الاعتماد على أدوات غير تقليدية، هدفها تعزيز العلاقة على المستوى الشعبي، من خلال مسارين أولهما خلق روابط بين الشعوب وبعضها من جانب، بينما يبقى المسار الثاني قائما على تعزيز شعبية الدولة المصرية (على المستوى الرسمي) لدى الشعوب الأخرى، خاصة في الدول التي تقع في نفس النطاق الإقليمي والجغرافي، باعتبارها ذات الأولوية، لتمتد إلى ما هو أبعد من ذلك تدريجيا.

ولعل اعتماد "الدبلوماسية الناعمة"، في إدارة العلاقات المصرية مع المحيط الدولي، ليس بالأمر الجديد تماما، إلا أنه اتسم بقدر كبير من المحدودية، في العهود السابقة، سواء من حيث الاستخدام أو حتى الأدوات، دون تدخل صريح من الدولة، للقيام بدور في تعزيز هذا النهج، حيث اعتمدت الدولة المصرية لعقود طويلة من الزمن، على سبيل المثال، على المؤسسات الدينية (الأزهر الشريف والكنيسة القبطية)، بسبب التاريخ الكبير، والقدرة الكبيرة على التواصل مع العالم الخارجي، ناهيك عن الأهمية الكبيرة التي  يحظى بها الجانب الديني، لدى قطاع كبير من الشعوب، ومساهمته الفاعلة في تعزيز الدول الذى تقوم به الدول صاحبة النفوذ في هذا الإطار، على غرار "الفاتيكان"، والتي تعد، رغم كونها أصغر دولة في العالم، إلا أنها تبقى صاحبة دور كبير، يتجاوز محيطها الأوروبي، عبر القيام بدور عالمي، بفضل مقر "الكرسي الرسولي" للكنيسة الكاثوليكية، ومركز قيادتها في العالم.

إلا أن الدولة المصرية، في عهد "الجمهورية الجديدة"، اتجهت نحو تعزيز أدواتها "الناعمة"، لتعزيز علاقاتها الدولية، بالإضافة إلى العمل الدؤوب على دفع العلاقات الرسمية، وهو ما بدا في العديد من المبادرات التي تزامنت مع تدشين التحالفات الجديدة، منها مبادرة "العودة للجذور"، والتي ارتبطت بصورة رئيسية بالتحالف الثلاثي الذى دشنته مصر مع كلا من اليونان وقبرص، بهدف خلق علاقة بين شعوب الدول الثلاثة، من خلال تنظيم رحلات لليونانيين والقبارصة، من أبناء وأحفاد أبناء الجاليات التى عاشت على أرض مصر لسنوات طويلة، ولذويهم، في إطار محاولة لربط الحاضر بالماضي، ناهيك عن استقطاب الدعم الشعبي لدى الدول الثلاثة للتعاون الكبير، والذي يحمل العديد من الأوجه، سواء سياسيا أو اقتصاديا او ثقافيا.

ولم تقتصر الرؤية التي تبنتها مصر لدعم أدواتها الناعمة، على العلاقات المباشرة بين مصر والدول الأخرى، في إطار ثنائي أو ثلاثي، وإنما تبنت نهجا جماعيا، عبر تدشين حوارات مع شعوب مختلفة، وبالأخص قطاع الشباب، والذي يمثل الجانب الأكثر حيوية لدى مختلف المجتمعات، حيث يبقى "منتدى شباب العالم"، أحد العلامات المميزة في هذا الإطار، باعتباره مظلة جامعة للعديد من الشباب حول العالم، بهدف الحوار والتواصل، سواء مع نظرائهم من الشباب المصري، وهو ما يقدم نموذجا فريدا من تبادل الخبرات على المستوى الشعبي، أو عبر الحوار بين قطاع كبير من الشباب حول العالم، ومسؤولي الدولة المصرية، وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما يساهم بصورة كبيرة في استلهام التجارب العالمية الأخرى في العديد من المجالات، وتطبيقها بالصورة التي تلائم الواقع المصري.

بينما لم يغب البعد الإنساني عن رؤية مصر "الناعمة" لتعزيز علاقتها الدولية، وهو ما يتجلى فيما يمكننا تسميته بـ"دبلوماسية إعادة الإعمار"، والتي قد تحمل في طياتها شقا "خشنا" عبر اقتحام مناطق الصراع، إلا أنها على الجانب الأخر، تمثل امتدادا للتوجه "الناعم" عبر تقديم الدعم لسكان تلك المناطق المنكوبة، التي دمرتها الحروب لسنوات طويلة، في العديد من دول منطقة الشرق الأوسط، سواء على خلفية الصراع العربي الإسرائيلي الممتد منذ عقود طويلة من الزمن، أو تداعيات ما يسمى بـ"الربيع العربي"، خلال العقد الماضي.

الأمر نفسه ينطبق على إطلاق مشروعات إنسانية في العديد من الدول في إفريقيا، ربما أخرها تدشين مركز "مجدي يعقوب" للقلب، في رواندا، والذى شارك وزير الخارجية سامح شكري في افتتاحه جنب إلى جنب مع عدد من كبار المسؤولين هناك، بالإضافة إلى مشاركة الطبيب المصري العالمي في إجراء العديد من العمليات في مختلف الدول الإفريقية، وهو ما ساهم بصورة كبيرة في تعزيز الصورة المصرية، لدى قطاع عريض من الشعوب، سواء في إفريقيا أو دول أخرى في مختلف مناطق العالم.

وهنا يمكننا القول بأن نجاح الدبلوماسية المصرية ارتبط بصورة مباشرة في قدرة الدولة على الابتكار، والتطوير، وهو الأمر الذى ترجمته تحركات صريحة نحو إحياء ما سبق وأن أسميته بـ"النقاط الميتة"، في مختلف دوائرها (العربية والإفريقية والمتوسطية)، وامتد عبر خلق أدوات "ناعمة" جديدة، يمكن من خلالها تعزيز الدور المصري في مختلف المناطق الحيوية، وهو ما يجسد قدرة "الجمهورية الجديدة" على التعاطي مع متطلبات النظام الدولي الجديد، في ظل تنامي الأزمات، والحاجة الملحة إلى القوى الدولية والإقليمية القادرة، ليس فقط على حماية نفسها، وإنما تقديم يد العون إلى المحيط العالمي، من أجل تجاوز تلك الأزمات عالميا بعيدا عن النهج الفردي الذي باتت تعتمده العديد من القوى المهيمنة على العالم في السنوات الأخيرة.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة