احتشد نصف مليون مواطن من أرجاء الإسكندرية لوداع الشهيد مقدم بحرى «حسنى محمد حماد» فى 25 يناير، مثل هذا اليوم، 1970، أحد أبطال معركة «شدوان» ضد القوات الإسرائيلية يوم «22 يناير 1970» ليلا، واستمرت حتى اليوم التالى، وذلك أثناء حرب الاستنزاف ضد إسرائيل بعد هزيمة 5 يونيو 1967، وفقا لكتاب «صفحات مضيئة من تاريخ مصر العسكرى- حرب الاستنزاف، يونيو 1967، أغسطس 1970» إعداد «هيئة البحوث العسكرية، وزارة الدفاع المصرية».. الصادر عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب».
يؤكد الكتاب، أن القتال استمر بين كتيبة مظلات إسرائيلية وسرية صاعقة مصرية تعاونها قوة بحرية، وتمت خلاله بطولات لا يمكن حصرها، وأساليب تصل إلى حدود اللامعقول، منها أن القطاع الذى يتركز فيه الرادار بالجزيرة ظل يقاوم بعنف دون أن تتمكن القوات الإسرائيلية من الاقتراب منها، فأرسل القائد الإسرائيلى جنديا مصريا أسيرا إلى قائد إحدى الدشم التى تمثل نقطة ارتكاز فى الدفاع لإقناعه بالاستسلام، واتفق الجندى مع القائد على إبلاغ العدو أنه وجد كل الجنود قتلى عدا واحد فقط مصاب، وابتلع القائد الإسرائيلى الطعم، فأمر جنوده بالتقدم، لكنهم فوجئوا بنيران تخرج من الدشمة لتحصدهم.
وفقا للبلاغ العسكرى المنشور بالأهرام، 24 يناير 1970، فإن خسائر إسرائيل بلغت أكثر من 50 قتيلا وجريحا، وخسائرنا نحو 80 فردا بين شهيد وجريح ومفقود بما فيهم مدنيون، وتمكنت القوة المصرية من طرد قوات العدو من شدوان، وكان المقدم حسنى حماد بين الشهداء، وكان رئيسا لأركان قاعدة بحرية بالمنطقة.. تذكر «الأهرام» فى «25 يناير 1970» بطولته النادرة، قائلة: «أصر رغم أن ذلك ليس من واجبه، على أن يشارك رجاله بنفسه فى نقل التعزيزات إلى القوة المرابطة فوق الجزيرة، وعندما اقترب زورق الطوربيد الذى يقوده من منطقة المعركة، هاجمته طائرات العدو بإصرار، فبذل جهدا خارقا لإنقاذ رجاله، وإنقاذ الزورق، وأطلق ستارة من الدخان، وأخذ يسير فى خطوط متعرجة، ولكن قصف القوات الجوية المعادية لاحقه، وكلما أخفقت فى اصطياده حاولت من جديد».. تضيف «الأهرام»: «استمر البطل فى محاولات الهرب من هجوم الطائرات، واستطاع بهذه المحاولات إنقاذ أكثر من 80 % من رجاله، وقبل أن يستطيع إنقاذ باقى الرجال أصيب الزورق، وأصيب بشظية أدت إلى استشهاده».
تذكر الأهرام، أن البطل «حسنى حماد» التحق بلواء «لنشات الطوربيد» منذ 1953 وكان برتبة «ملازم ثان».. تضيف فى عددها «26 يناير 1970»: «وقعت عيناه ولأول مرة على مثله الأعلى الرائد جلال الدسوقى قائد اللنشات، ولم يطل لقاؤهما، فقد استشهد الدسوقى فى معركة «البرلس البحرية» أثناء العدوان الثلاثى عام 1956، وظل المثل الأعلى يعيش فى ذهنه، وخلال المعارك التى خاضها أيام العدوان الثلاثى، اكتسب وجهه لونا من الصرامة والجدية، حتى أصبح يخيل لمن لا يعرفه أن تقطيبة جبينه هى أثر جرح غائر بين عينيه».. تضيف الأهرام: «فى 1956 كان ضمن قوة لنشات الطوربيد التى وقفت فى عرض الخليج تحمى مدينة السويس ضد الأسطول الإنجليزى، وفى 1967 كان ضمن القوة البحرية التى أغلقت خليج العقبة، وبعد الحرب عاد ليقول فى كل مكان لكل زميل: مهما حدث.. يمكننا أن نعيد البناء ونستعد لنكون جاهزين للحرب من جديد».
فى سيرته أيضا، أنه قضى ثلاثة أشهر فى «أبوسمبل» منتدبا من القوات البحرية للإشراف على تشغيل لنشات «الهيدروفيل» بين أسوان و«أبوسمبل»، وأعد فريقا فنيا لتشغيل هذا الخط وقام بالعمل بدلا من الخبراء الإيطاليين، وكان ممن يقع عليهم اختيارات القيادات كلما دعت الحاجة إلى انتداب لمهمة فى الخارج، فانتدب ستة أشهر فى سوريا، ومرة فى اليمن، وثالثة فى العراق عامين كاملين، وتلقت قيادة البحرية المصرية رسائل إشادة به من العراق وسوريا، وقبلهما رسالة تقدير من الاتحاد السوفيتى «روسيا» بعد حصوله على ماجستير العلوم البحرية عامة، وفى فرع تخصصه.
عبر مشهد جنازته عن الوفاء لبطولته.. تصفه الأهرام قائلة: «أحاط نصف مليون مواطن ملأوا محطتى الرمل وسعد زغلول بنعش الشهيد الذى تحمله عربة مدفع، يحاولون رفع جثمانه الطاهر، ويرددون فى صوت واحد مشحون بالإصرار كلمات «بلادى، بلادى» ونشيد «الله أكبر»، وتنطلق حناجرهم هاتفة: «عرضى، أرضى، بلدى»، وقطعت المسافة من محطة الرمل إلى مسجد النبى دانيال فى ساعة بالرغم من أنها لا تزيد على كيلومتر، وكان فى مقدمة الذين يتلقون العزاء محافظ الإسكندرية أحمد كامل مندوبا عن الرئيس، واللواء بحرى محمود عبدالرحمن فهمى قائد القوات البحرية».
تضيف الأهرام: «بعد الجنازة تسلمت زوجته مخلفاته التى عثر عليها فى لباس الحرب الذى كان يرتديه، ولم تزد عن صور طفليه محمد وأشرف وزوجته، ومصحف».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة