أهمية كبيرة تحظى بها زيارة الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون إلى القاهرة، ليس فقط باعتبارها امتدادا للنشاط الدبلوماسي الكبير الذى تمارسه كلا من مصر والجزائر، في المرحلة الراهنة، على المستويين الدولي، والإقليمي، وضرورة التنسيق بينهما، فيما يتعلق بالعديد من القضايا المثارة، وعلى رأسها القمة العربية المقبلة، والمقرر انعقادها في الجزائر، خلال العام الجاري، ناهيك عن الأزمات الإقليمية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها الأزمة الليبية، إلا أنها تحمل في طياتها العديد من الأبعاد الأخرى، بدءً من تاريخ مشترك في الكفاح ضد الاستعمار، مرورا بماض قريب يحارب لحماية الهويتين الوطنية والعربية، ضد محاولات تقويضهما عبر سلاح الفوضى، وصولا إلى حاضر يقوم في الأساس على ضرورة إعادة ترتيب البيت الإقليمى والقاري، من أجل تحقيق أكبر قدر من الاستقرار في المنطقة الملتهبة أساسا إثر أزماتها المتواترة.
ولعل الجزائر كانت أحد أبرز أولويات الدولة المصرية، في إطار "الجمهورية الجديدة"، حيث استهل الرئيس عبد الفتاح السيسي حقبته بزيارتها في يونيو 2014، في انعكاس صريح لإدراك مصر لأهميتها، كقوى من شأنها تحقيق التوازن في منطقة شمال إفريقيا، والتي تمثل عمقا استراتيجيا لكلا منهما، خاصة مع تأجج الأزمات في دول الجوار، في إطار تفاقم الأزمة الليبية، وارتباك الأوضاع التونسية، في تلك الفترة، التي كانت بمثابة ذروة ما يسمى بـ"الربيع العربي"، والذي ساهم بصورة كبيرة في إحلال الفوضى في كافة دول الإقليم، حتى بدأت الغمة في الانقشاع من قلب القاهرة، ومحافظات مصر، عندما خرج الملايين للمطالبة باستعادة "الهوية" الوطنية، والتي كانت المستهدف الأول من قبل القوى الدولية، باعتبارها أحد مصادر القوة التي أرادوا تقويضها، تمهيدا لتقسيم المنطقة إلى دويلات.
العلاقة بين مصر والجزائر، ترتبط إلى حد كبير، بالتشابه الكبير في الظروف التي شهدتها البلدين، في السنوات الأخيرة، بدءً من محاولات دس الفوضى داخل المجتمع، مرورا بالدور الكبير الذى لعبته مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، والتي لعبت الدور الرئيسي في مواجهتها لحماية الهوية الوطنية، وحتى العمل حاليا من أجل تحقيق الاستقرار الإقليمى، في منطقة مشتعلة بالأزمات، من منطلق التجربة المشتركة، التي تجمع بينهما، والتي يمكن تعميمها إقليميا لمواجهة منعطفات الفوضى، وهو الأمر الذى يمثل مركزا مهما للتوافق بين البلدين في المرحلة الراهنة، خاصة قبل انعقاد القمة العربية، التي ينبغي أن تحمل هدفا رئيسيا يقوم في الأساس على تحقيق التوافق العربي، نحو مختلف القضايا الإقليمية، ناهيك تحقيق شوط كبير من التقدم كبير في الأزمات الراهنة.
وهنا تصبح الزيارة التي قام بها الرئيس تبون إلى القاهرة، بمثابة نقطة انطلاق في إطار شراكة "ثلاثية الأبعاد"، من شأنه تعزيز الوضع الإقليمى لمنطقة شمال إفريقيا، عبر العمل معا على الخروج بليبيا إلى بر الأمان، وتعزيز عملية الإصلاح في تونس تحت قيادة الرئيس قيس سعيد، وهى القضايا التي تمثل أولوية قصوى للبلدين باعتبارهما مرتبطان بشكل مباشر بأمنهما، في ظل الارتباط معهما جغرافيا، خاصة مع حالة التوافق الكبير بين مصر والجزائر فيما يتعلق بهذه القضايا، بما يسمح لهما الدخول بثقلهما الدبلوماسي والدولي، لدعم الاستقرار فيهما.
بينما تبقى الهوية العربية، بعدا ثانيا، في إطار الشراكة بين البلدين، عبر تحقيق أكبر قدر من التوافق بين الدول العربية، في مختلف القضايا الخلافية، في إطار التمهيد لخطوات أوسع تتمثل في احتواء الصراعات الإقليمية، هو النهج الذي بدا واضحا في الخطوات التي اتخذتها الدبلوماسية المصرية والجزائرية في الآونة الأخيرة، عبر تهدئة وتيرة الصراع، وتحويله إلى "منافسة"، من خلال تعظيم المصالح المشتركة بين القوى الإقليمية، لتكون نقطة إضافية في تحقيق الاستقرار المنشود في منطقة الشرق الأوسط، وهو النهج الذى تجلى على سبيل المثال في قمة بغداد، التي انعقدت في أغسطس الماضي، بحضور عددا من الدول المتنافسة، بينما كانت جامعة الدول العربية حاضرة بقوة، في سابقة مهمة، تضع القوى العربية وخصومهم الإقليميين على مائدة حوار واحدة.
وأما البعد الثالث، فيبقى قاريا، عبر تقديم الدعم للقارة الإفريقية ودولها، وتوحيد صفوفها في مواجهة ما تعانيه من أزمات، في المرحلة الراهنة، خاصة مع زيادة الحديث عن تداعيات الوباء والتغيرات المناخية على مستقبل القارة، وهو ما يتزامن مع اقتراب قمة المناخ المقرر انعقادها في مصر في نوفمبر المقبل.