أوقات كثيرة تتوقف الكلمات عن نعى الأعزاء الكبار، وتعجز عن وصف مسيرتهم وتتبعها في بضعة سطور، ياسر رزق واحد من هؤلاء الكبار، الذين عرفناهم وسمعنا بهم قبل أن نراهم، قرأنا لهم قبل أن تنشأ بيننا وبينهم معرفة أو صداقة، وقد كنت شاباً صغيراً لم أعرف للصحافة طريق وأتابع إعلانات مجلة الإذاعة والتلفزيون، ومقال رئيس تحريرها ياسر رزق، المعنون بـ "ورقة وقلم"، بكلمات مثيرة جذابة، يختلط فيها الأدب بالسياسة والفن، في سرد رائع وتسلسل جذاب.
ياسر رزق واحد من جيل الكبار، ودفعة رؤساء التحرير في إعلام القاهرة 1986، وقد كانت له شخصيته المميزة، وفق ما يصف أصدقاؤه وأبناء دفعته، فهو المتمرد الباحث عن الخبر، النشيط الدؤوب، الذي يناقش بقوة، يقول رأيه دون تحفظ أو خوف، ينتقد وينفرد بالخبر حتى في أصعب الظروف واللحظات، لا يفقد شغفه الصحفي وحبه للمهنة، ولا ينفك أبداً عن الدردشة وتقديم النصيحة للجميع، ونقل خبراته وتجاربه.
ياسر رزق، كان أحد الأجيال الذهبية من المحررين العسكريين، ولو صادفك الحظ وجلست إلى جواره في طائرة عسكرية للذهاب إلى أحد الالتزامات التدريبية بالقوات المسلحة، سوف تستمع منه لأهم النصائح سواء على المستوى المهني أو الإنساني، وسوف تستفيد بخبراته للحفاظ على أذنك من صوت الطائرة، وقد يهديك "سدادة أذن"، حتى تحميك من الصوت المزعج طيلة الرحلة.
أتذكر دوماً خطاب ياسر رزق الذي وصلني إلى مقر جريدة اليوم السابع للتهنئة بالفوز في جائزة الصحافة المصرية فرع التغطية الخارجية العام الماضي، في حين لا تجمعنا صداقة أو تواصل، بل فقط معرفة عابرة من خلال اللقاء في بعض الالتزامات الصحفية، لكنه كان حريصاً على التهنئة، والتواصل كعادة الكبار الذين يدفعون كل من حولهم للتميز والإبداع، ولا يبخلون بدعم أو سند، وقد احتفظت بخطابه مع الجائزة وأراه تقديراً من أستاذ كبير وكاتب مرموق أستمتع بقلمه وعباراته وأفكاره.
ياسر رزق، صعد سلم الصحافة خطوة خطوة، واجتهد وسعى في كل مراحل حياته، وظل قلبه شاباً رغم المرض، وتحليلاته قوية وحاضرة دون خوف أو مواربة، كان ينتقد بحرفية شديدة خوفاً على الوطن، وتحقيقاً للمصلحة العامة، كان يسعى خلف الخبر ويكتب في كل الأحداث والمناسبات واللقاءات كأنه محرر في يومه الأول يخشى أن تفوته الأحداث ويسبقه المنافسون، وهذه ربما كانت وصفة النجاح التي اعتمدها ياسر رزق، منذ احترافه الصحافة قبل 36 عاماً، كانت طريقاً للانفرادات والجوائز والمناصب، بل والتاريخ، الذى سيتوقف كثيرا أمام تجربته، كأحد أبرز أبناء جيله وأحد الصحفيين الكبار، الذين أعطوا للمهنة الكثير.
العزاء الوحيد في وفاة ياسر رزق، أن كتاباته وكلماته ستبقى معنا، وكتابه الأخير "سنوات الخماسين بين يناير الغضب ويونيو الخلاص"، سيظل مرجعاً مهماً وشاهداً على العصر خلال فترة صعبة من عمر الوطن، فقد كان "رزق" أحد المؤثرين في المشهد خلالها، ودوره الوطني الشجاع لا يمكن أن ينكره أحد.. كل التعازي لأسرة الفقيد ياسر رزق، وكل التعازي للجماعة الصحفية والإعلام المصري والعربي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة