"جمعتني قصة حب تقليدية بين أحد زملائي في الجامعة، كنا زميلين في واحدة من كليات القمة وأعجبني أنه مثقف وراقى، بعد الجامعة تقدم لخطبتي كما وعدني وتزوجنا وعشنا أيامًا كالحلم، بدأنا نتوتر حين تأخر الحمل عام بعد آخر. بعد ثلاثة سنوات حدث ما انتظرناه أخيرًا فتنفست الصعداء وأملت أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه، وفعلاً اختفى التوتر تدريجيًا وحل محله السعادة وانتظار المولود المرتقب خاصة أنه أول أحفاد عائلة زوجى.
حين حل موعد الولادة فوجئنا أن طفلتنا من أصحاب متلازمة داون، صدمني أننا كنا نتابع مع الأطباء باستمرار ولم يخبروننا بأي شيء، لا أنكر أنني صدمت في البداية وشعرت ببعض الحزن والكثير من الخوف على طفلتي ومستقبلها والرهبة من المسئولية الضخمة، ولكنني لم أملك رفاهية أن احتفظ بصدمتي طويلاً فقد كانت بحاجة إلي، أن أقوم بدوري تجاهها.
لكن زوجي هو من صدمني برد فعله فقد تغير جدًا وأصبح عصبيًا جدًا ولا يتقبلها نهائيًا لا هو ولا أهله، لا يقضي وقتًا معاها تقريبًا وكأنها غير موجودة، أحاول تعويضها عن حنانه وعن معاملته وأهله ولكنني أعرف جيدًا أنه مهما بذلت من جهد مضاعف لن يمكنني ملء مكانه، حاولت أن أتكلم معه في الموضوع لكنه ينكر ذلك رغم أنه واضح جدًا حتى حين تجرى عليه البنت لتحضنه يبعدها وأشعر بنفوره منها.
الآن يطلب منى أن ننجب مرة أخرى وأنا خائفة جدًا من هذه الخطوة، فكل الاحتمالات تؤدي إلى نتائج غير محمودة، فإذا أنجبت طفل آخر من أصحاب متلازمة داون ستكون المأساة متكررة، وإذا أنجبت طفلاً طبيعيًا لا أضمن أنه سيعدل بينهما وأنه لن يفرق بينهما في المعاملة. لا أعرف كيف أتصرف.
*****
القارئة العزيزة، بداية نحيي شجاعتك وقوتك في القيام بدور الأب والأم مع طفلتك، خاصة أنها تحتاج الكثير من الرعاية والعناية. تخوفاتك كلها منطقية جدًا وأنتِ محقة للغاية في القلق من حدوث تفرقة بين الأبناء أو من أن يتضاعف الحمل عليكِ. تحملين لطفلتك محبة غير مشروطة وتدركين كم هي شخص مميز وهبة من الله، ولكن لا يملك كل الناس هذه المشاعر، بعض الناس لا يمكنهم تفهم التنوع والاختلاف ولا التفرد ولا يتقبلون أن يكون ابنهم مختلفًا عن السائد، وأي اختلاف يجعلهم يشعرون بالنقص وهذا على الأغلب ما يحدث مع زوجك وعائلته.
وتقول الدكتورة إيمان عبد الله، استشاري علم النفس والعلاج الأسري إن الطفل الثاني خاصة في حالة وجود طفل من ذوي الهمم دعمًا وسندًا لأخيه الأكبر، ولكنك محقة تمامًا في ترددك بشأن الإقدام على خطوة الإنجاب مرة أخرى وتأجيلها بسبب تصرفات الأب، وتقصيره في حق ابنته، كل ابنة تحتاج من والدها الرعاية والحب والحنان، أما في حالة كونها من أصحاب متلازمة داون فهذا يعني أنها بحاجة إلى المزيد من الاحتواء والرعاية والحنان منه.
لذا قبل أن توافقي على خطوة الإنجاب مرة أخرى عليكِ أن تعقدي جلسة اتفاق بهدوء ويفضل أن يكون بها أحد العقلاء أو الكبار في العائلة، وتخبريه أنك لن توافقي على الإنجاب مرة أخرى إلا بعد أن يطمئن مخاوفك بخصوص تعامله مع طفلتكما، وأنه يجب أن تلمسي وتلاحظي أن تعامله اختلف. يجب أن تنبهيه إلى أن دوره مهم مع ابنتكما وأنها تحتاج اهتمام وحب منكما معًا وليس أنتِ فقط. وأنها هبة من الله ورعايتكما لها يمكن أن ينقلاها نقلة كبيرة خاصة إن انتبهتما لمواهبها ورعيتوها. وأنه من الضروري أن يكون إلى جانبك في مواجهة تحديات الحياة وليس ضدك فأنتِ الآن كمن يحارب في جبهتين.
يجب أن تتحدثي معه أيضًا عن مخاوفك من أن يفرق بين أبنائه وتوضحي له كيف يمكن أن تؤثر هذه التفرقة بالسلب على نفسية الطرفين وتضر بهما.
من الضروري أن تتحدثي معه ليس فقط كي تأخذي خطوة الإنجاب مرة أخرى، ولكن لأننا ندرك كم يؤلمك هذا الوضع ألمًا شديدًا ويستنزفك نفسيًا وعصبيًا ويجعلك تشعرين بعدم الاستقرار.
صفحة وشوشة
فى إطار حرص "اليوم السابع" على التواصل المباشر مع القراء، وتقديم الخدمات المختلفة والمتنوعة، أطلقت "اليوم السابع" خدمة "وشوشة" لتلقى أى استفسارات أو مشاكل نفسية أو اجتماعية أو تربوية، على أن يتم عرض المشكلات على الخبراء والمختصين الموثوقين ونشر الردود عبر الموقع الإلكتروني والجريدة.
يمكنكم التواصل معنا من خلال رقم واتس اب 01284142493 أو البريد الإلكترونى Washwasha@youm7.com أو الرابط المباشر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة