أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

دوائر الصراع في الشرق الأوسط.. ودبلوماسية "صناعة السلام"

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2022 02:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم تخل منطقة الشرق الأوسط من الصراعات منذ عقود طويلة من الزمن،  سواء بين دول الإقليم، أو داخلها، بسبب العديد من الأبعاد المرتبطة في معظمها بحالة من الاستقطاب الدولي والاقليمي على تلك البقعة الجغرافية، سواء طمعا في الاستيلاء على مقدراتها، أو بحثا عن قيادة، أو من أجل دور أكبر على الساحة العالمية، لتتفرع تلك الأسباب إلى ثغرات عدة، تولدت منها صراعات متعددة، منها ما هو على أساس طائفي، أو عرقي أو ديني، لتنغمس الدول في صراعاتها معا، ثم بعد ذلك تجد نفسها منهمكة في حروب أهلية، وصلت إلى ذروتها في العقد الماضي، إبان ما يسمى "الربيع العربي"، والذى وضع الكثير منها على حافة الدمار والانهيار، بينما مازالت هناك بعض الدول تعاني من تداعيات تلك الحقبة، ولم تخرج حتى الان من دائرة العنف.

ولعل الملفت للانتباه فيما يمكننا تسميته "دوائر الصراع" في منطقة الشرق الأوسط، هو أنه كلما تفاقم، ضاق نطاقه الجغرافي، حتى يصل القتال إلى أبناء الوطن الواحد ثم الدين الواحد وصولا إلى الأسرة الواحدة، مع اختلاف المسميات والذرائع في كل مرحلة، بين الدفاع عن الدين أو الطائفة بل وأحيانا للدفاع عن أفكار سياسية، وهو ما ساهم في حالة من التفكك، تبدو أشبة بـ"سرطان" ينخر في عظام الاقليم تدريجيا حتى صار على فراش الموت بفعل الانقسام.

فمع "النكبة" الفلسطينية، وظهور دولة إسرائيل، كانت نقطة البداية لـ"قضية العرب المركزية"، ومولد الصراع الرئيسي في المنطقة، ولكن مع مرور السنوات تطور الصراع إلى الحد الذى ساهم في تفاقم الانقسامات في المعسكر الإقليمي، بدت في محطات عدة، حيث كانت المواقف التي تتخذها بعض الدول سببا في مزيد من الانقسام، الذي تدرج من صورته الدولية إلى الصورة الأهلية، والتي اتخذت هي الأخرى أشكالا مختلفة بدءً من "الحرب بالوكالة"، وحتى الصراع على السلطة بين الزمرة الحاكمة والمعارضة، ناهيك عن مستجدات دولية أخرى، طرأت على المشهد، ساهمت في تعزيز حالة الانقسام وتأجيج الأوضاع، كالثورة الإيرانية وحربي الخليج الأولى والثانية، وأحداث 11 سبتمبر ومالها من تداعيات كبيرة، ثم الربيع العربي.

وهنا اتسعت دائرة الصراع لتخرج عن إطار "مركزية" فلسطين، والتي توحدت وراءها في البداية كل دول المنطقة، باختلاف لغاتهم ومعتقداتهم وأعراقهم وطوائفهم، وانتماءاتهم السياسية، لتصبح تلك العوامل المذكورة هي الأساس لصراعات متعددة، هيمنت على الإقليم، توارت خلفها القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وهي الصراعات التي انغمس فيها الفلسطينيون أنفسهم، في إطار الانقسام الذي تشهده منذ سنوات، ساهم في تقويض التعاطف الدولي مع قضيتهم، بينما نشط الارهاب العابر للحدود، عبر  أكذوبة "الدفاع عن الدين"، ليشكل خطرا جديدا على الدولة الوطنية، فساهم في تراجع القضية الرئيسية أكثر فأكثر.

لذا كان الخروج بالمنطقة من "دائرة العنف" يتطلب رؤية واضحة تعتمد إعادة فلسطين إلى صدارة المشهد الإقليمي، عبر الجناح العربي، متمثلا في جامعة الدول العربية، بينما سعت من جانب أخر لتعزيز قيم التسامح والحوار والتنمية المستدامة، باعتبارها السبيل لتجاوز "خطايا" الماضي، في إطار ما يمكننا تسميته "صناعة السلام"، وهو ما يبدو في الفاعليات التي تنظمها، منها مؤتمر التسامح الذي شارك فيه نخبة من رجال الدين والسياسة والإعلام، لإحياء قيم المحبة وقبول الآخر.

تجربة "صناعة السلام"، تبدو مستلهمة من النموذج المصرى القائم على ما أسميته في مقال سابق بـ"بناء الاستقرار"، حيث تحركت الدولة، منذ لحظة "الخلاص" من الفوضى، نحو الفئات المهمشة، كالشباب والمرأة وذوى الهمم، بل وذهبت إلى أبعد من ذلك عبر منهج تنموى شامل، من خلال تحقيق مبدأ العدالة التنموية، عبر الوصول بالمشروعات إلى كافة المحافظات والمدن والقرى، وكذلك دمج الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني على أساس مبدأ الشراكة، وصولا إلى الحوار الوطني في صورته الحالية، من أجل المشاركة في عملية صنع القرار، فيما يتعلق بالمستقبل ومجابهة الأزمات الراهنة.

وهنا يمكننا القول أن كسر دائرة الصراع في الشرق الأوسط، يتطلب تعزيز مبدأ التسامح وقبول الاخر، مع العمل جنبا إلى جنب مع جميع الأطياف، من أجل الوصول إلى حلول للأزمات المجتمعية داخل كل دولة، لتحقيق توافق داخلى يكون بمثابة "البذرة" للعودة إلى التوافق العربي، والذي قد يتمدد إلى توافق إقليمي، من شأنه العودة مجددا إلى تحقيق الرؤى المشتركة والالتفاف وراء القضايا الرئيسية محل الاتفاق، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة